للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُعَبَّرٍ عَنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ مِنْ جِهَتِهِ وَالْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ شَرْطُ النِّكَاحِ وَهُوَ الشُّهُودُ لَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ؟ فَلِهَذَا لَا يَحْنَثُ وَفِي الْإِجَازَةِ بِالْفِعْلِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ (قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَخْتَصُّ بِالْقَوْلِ حَتَّى لَا يَنْعَقِدَ بِالْفِعْلِ بِحَالٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُجِيزُ بِالْفِعْلِ عَاقِدًا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا إنَّمَا يَكُونُ رَاضِيًا وَشَرْطُ حِنْثِهِ الْعَقْدُ دُونَ الرِّضَا.

وَإِنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَبْلَ الْكَلَامِ وَأُخْرَى بَعْدَهُ تَطْلُقُ الَّتِي تَزَوَّجَ قَبْلَ الْكَلَامِ خَاصَّةً؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّزَوُّجَ شَرْطٌ، وَالطَّلَاقُ جَزَاءٌ مُعَلَّقٌ بِالْكَلَامِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكَلَامِ دُونَ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ طَلُقَتْ بِنَفْسِ التَّزَوُّجِ، وَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ جَزَاءَ شَرْطِهِ وَفِيهِ اخْتِلَافُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْجَامِعِ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا وَقَّتَ يَمِينَهُ فَقَالَ: إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُوَقِّتْ وَبَيْنَ مَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، أَوْ أَخَّرَ وَقَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِهَذَا اللَّفْظِ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ وَقَّتَ يَمِينَهُ أَوْ لَمْ يُوَقِّتْ.

وَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِرَجُلٍ شَيْئًا قَدْ سَمَّاهُ بِعَيْنِهِ فَبَاعَهُ لِآخَرَ طَلَبَهُ إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَا أَبِيعُ لِفُلَانٍ أَيْ لِأَجْلِ فُلَانٍ، وَمَا بَاعَ لِأَجْلِهِ حِينَ أَمَرَهُ بِهِ غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا بَاعَهُ لِأَجْلِ مَنْ أَمَرَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا أَبِيعُ ثَوْبًا لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ لَا أَبِيعُ ثَوْبًا هُوَ مَمْلُوكٌ لِفُلَانٍ وَقَدْ وَجَدَ ذَلِكَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِهِ غَيْرُهُ وَإِيضَاحُ هَذَا الْفَرْقِ فِي الْجَامِعِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ لِفُلَانٍ هِبَةً فَوَهَبَ وَلَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ أَوْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فَهُوَ حَانِثٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ كَالْبَيْعِ وَفِي الْبَيْعِ لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَقْبَلْ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يَحْصُلُ قَبْلَ قَبُولِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ، وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَيْعِ: لَوْ بَاعَهُ بَيْعًا فَاسِدًا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْهِبَةُ تَبَرُّعٌ وَذَلِكَ يَتِمُّ فِي جَانِبِ الْمُتَبَرِّعِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لَا يُقَابِلُهُ اسْتِيجَابٌ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْمُوجِبِ فِي حَقِّهِ كَالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ وَإِيجَابٌ يُقَابِلُهُ اسْتِيجَابٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: وَهَبْت لِفُلَانٍ فَرَدَّ عَلَيَّ هِبَتِي، وَأَهْدَيْت إلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ هَدِيَّتِي وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ هُوَ تَبَرُّعٌ كَالصَّدَقَةِ وَالْقَرْضِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يُقْرِضُ فُلَانًا شَيْئًا فَأَقْرَضَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ حَنِثَ، إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: فِي الْقَرْضِ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَرْضَ عَقْدُ ضَمَانٍ فَإِنَّهُ يُوجِبُ ضَمَانَ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُفَرِّقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>