للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِكَسْبِهِ وَبِرَقَبَتِهِ لَمْ يَحْنَثْ.

وَإِنْ نَوَاهَا؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ هُنَاكَ إذَا نَوَاهَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ نَوَى إضَافَةَ الْمِلْكِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ نَوَاهَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ اسْتِغْرَاقُ كَسْبِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَحْنَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ إضَافَةُ الْمِلْكِ وَاسْتِغْرَاقُ كَسْبِ الْعَبْدِ بِالدَّيْنِ يَمْنَعُ مِلْكَ الْمَوْلَى.

وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً لِمُكَاتَبِ فُلَانٍ لَمْ يَحْنَثْ وَكَذَلِكَ الدَّارُ وَالثَّوْبُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ إضَافَةَ الْمِلْكِ فَكَسْبُ الْمُكَاتَبِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ مَا بَقِيَ مُكَاتَبًا، وَإِنْ اعْتَبَرَ إضَافَةَ النِّسْبَةِ فَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إلَى الْمُكَاتَبِ دُونَ الْمَوْلَى.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ مَرْكَبًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَرَكِبَ سَفِينَةً أَوْ مَحْمَلًا أَوْ دَابَّةً حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمَرْكَبَ هُنَا وَكُلُّ هَذَا مَرْكَبٌ وَالْمَرْكَبُ مَا يُرْكَبُ، وَمِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ تُسَمَّى السَّفِينَةُ مَرْكَبًا، وَكَذَلِكَ شَرْعًا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: ٤٢] {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: ٤١].

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ بِهَذَا السَّرْجِ فَزَادَ فِيهِ شَيْئًا أَوْ نَقَصَ مِنْهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ذَلِكَ السَّرْجُ الَّذِي عَيَّنَهُ وَقَدْ رَكِبَ بِهِ وَالنُّقْصَانُ وَالزِّيَادَةُ فِي شَيْءٍ لَا يُبَدِّلُ أَصْلَهُ.

وَلَوْ بَدَّلَ السَّرْجَ نَفْسَهُ وَتَرَكَ اللِّبْدَ وَالصُّفَّةَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اسْمَ السَّرْجِ لِلْحَنَا أَصْلٌ وَاللِّبْدُ وَالصُّفَّةُ وَصْفٌ فِيهِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَصْلُ دُونَ الْوَصْفِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إلَى الْيَمِينِ ضِيقُ السَّرْجِ وَسَعَتُهُ وَذَلِكَ يَتَبَدَّلُ بِتَبَدُّلِ الْحَنَا دُونَ اللِّبْدِ وَالصُّفَّةِ.

وَإِذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ مَالِهِ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مُفْلِسٍ أَوْ عَلَى مَلِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً فَالْمَالُ مَا يُتَمَوَّلُ، وَتَمَوُّلُ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَحَقَّقُ، وَالْمَالُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ، وَمَا فِي الذِّمَّةِ بِاعْتِبَارِ عَيْنِهِ غَيْرُ صَالِحٍ لِذَلِكَ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ وَهُوَ بِالْقَبْضِ، وَالْمَقْبُوضُ عَيْنٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَجُلٌ قَدْ غَصَبَهُ مَالًا فَاسْتَهْلَكَهُ وَأَقَرَّ بِهِ أَوْ جَحَدَهُ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَيْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ أَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَقَدْ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ إذَا كَانَ جَاحِدًا لَهُ فَهُوَ تَاوٍ فِي حَقِّ الْحَالِفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِاعْتِبَارِهِ؟ وَالتَّاوِي لَا يُمْكِنُ تَمَوُّلُهُ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مَالًا لَهُ.

وَلَوْ كَانَتْ لَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ إنْسَانٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ عَيْنُ مَالِهِ وَيَدُ مُودَعِهِ كَيَدِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا مَتَى شَاءَ، وَأَنَّهُ تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهَا مُطْلَقًا؟ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ وَالْغَاصِبُ مُقِرٌّ بِهِ قِيلَ هُنَا: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ اسْتِرْدَادِهَا بِقُوَّةِ السُّلْطَانِ، لَمَّا كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِهِ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ يَنْفُذُ فَهُوَ كَالْوَدِيعَةِ وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ إذَا كَانَ قَاهِرًا فَالظَّاهِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>