للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ مَشْي عَلَى بِسَاطٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ مَشْي عَلَى ظَهْرِ إجَارٍ حَافِيًا أَوْ بِنَعْلَيْنِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ ظَهْر الْإِجَارِ يُسَمَّى أَرْضًا عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ عَلَيْهِ يَقُولُ لَهُ غَيْرُهُ اجْلِسْ عَلَى الْبِسَاطِ وَلَا تَجْلِسْ عَلَى الْأَرْضِ

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ فِي الْفُرَاتِ فَمَرَّ عَلَى الْجِسْرِ أَوْ دَخَلَ سَفِينَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَخَلَ الْمَاءَ حَنِثَ؛ لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ دُخُولُ الْفُرَاتِ بِالشُّرُوعِ فِي الْمَاءِ، وَالْجِسْرُ وَالسَّفِينَةُ مَا اُتُّخِذَ لِلْعَاجِزِينَ عَنْ الشُّرُوعِ فِي الْفُرَاتِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْحَاصِلَ عَلَى الْجِسْرِ أَوْ السَّفِينَةِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْفُرَاتِ عُرْفًا وَفِي النَّوَادِرِ.

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَغْدَادَ فَمَرَّ فِي الدِّجْلَةِ فِي السَّفِينَةِ فَهُوَ حَانِثٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَدِّ.

(قَالَ) وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ فَجَاءَ مِنْ الْمَوْصِلِ فِي السَّفِينَةِ فِي دِجْلَةَ حَتَّى دَخَلَ بَغْدَادَ كَانَ مُقِيمًا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَدِّ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَّى بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ مِنْ بَغْدَادَ فَيَكُونُ حَانِثًا، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ فَدَخَلَهَا رَاكِبًا وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: مُرَادُ الْحَالِفِ دُخُولُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَوَطَّنُ فِيهِ أَهْلُ بَغْدَادَ وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَدِّ فَإِنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَى كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ نَوَى شَيْئًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ مُطْلَقًا لَهُ قَبْلَ الْيَمِينِ فَلَا يَمْتَنِعُ إلَّا الْقَدْرَ الْمُتَيَقَّنَ بِهِ، وَالْمُتَيَقَّنُ ذَلِكَ الْيَوْمُ؛ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُرَادُهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ لَا يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَقِينَ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ.

(فَإِنْ قِيلَ) أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ: عَلَيَّ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا (قُلْنَا) وَهُنَا لَوْ قَالَ: كَذَا وَكَذَا يَوْمًا فَالْجَوَابُ كَذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقُلْ يَوْمًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ السَّاعَةُ، وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ يَشْتَمِلُ عَلَى سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ فَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إلَى قُدُومِ الْحَاجِّ أَوْ إلَى الْحَصَادِ فَقَدِمَ أَوَّلُ قَادِمٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ وَقْتُ الْقُدُومِ وَوَقْتُ الْحَصَادِ، وَقَدْ عَلِمْنَا بِدُخُولِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إلَى الْغَدِ فَكَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ لَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَؤُمُّ النَّاسَ فَأَمَّ بَعْضَهُمْ حَنِثَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ اسْمُ جِنْسٍ وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فَيَتَنَاوَلُ أَدْنَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجِنْسِ

وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حَتَّى الشِّتَاءَ فَجَاءَ أَوَّلُ الشِّتَاءِ سَقَطَتْ الْيَمِينُ وَكَذَلِكَ الصَّيْفُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفُصُولَ الْأَرْبَعَةَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ

وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْتَعِيرُ مِنْ فُلَانٍ فَاسْتَعَارَ مِنْهُ حَائِطًا يَضَعُ عَلَيْهِ جُذُوعَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>