للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ.

تَوْضِيحُهُ أَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ شَرْعًا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ، وَمَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا عَلَى الْمَرْءِ لَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَهُوَ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَأَمَّا تَعْزِيرُ الزَّوْجِ مُبَاحٌ لَهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ وَالْمُبَاحَاتُ تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ

(قَالَ) وَإِذَا حَكَمَ الْإِمَامُ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَالرَّجْمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَقَالَ لِلنَّاسِ اُرْجُمُوهُ وَسِعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسَعُهُمْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عَدْلٌ آخَرُ عِنْدَهُمْ، أَوْ يُعَايِنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَمْرٌ عَظِيمٌ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ التَّدَارُكُ وَالتَّلَاقِي، وَمَنْ يَكُونُ مُجَرَّدُ قَوْلِهِ مُلْزِمًا الْأَنْبِيَاءُ الْمَعْصُومُونَ عَنْ الْكَذِبِ فَإِنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْكَذِبِ وَالْقَاضِي لَا تَبْلُغُ دَرَجَتُهُ دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ بَلْ هُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْخَطَأِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَسَعُهُمْ الْإِقْدَامُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ.

وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي أَوْلَى مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَلَوْ عَايَنُوا أَدَاءَ الشَّهَادَةِ وَسِعَهُمْ أَنْ يَرْجُمُوهُ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ غَيْرَ مَعْصُومِينَ عَنْ الْكَذِبِ فَكَذَلِكَ إذَا أَخْبَرَهُمْ الْقَاضِي بِقَضَائِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الظَّاهِرَةَ هِيَ الِاكْتِفَاءُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ بِقَاضٍ وَاحِدٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ حُكْمِهِ حُجَّةً لَكَانَ يُتَّخَذُ قَاضِيَانِ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ وَفِي الِاكْتِفَاءِ بِقَاضٍ وَاحِدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ حُجَّةٌ يُطْلِقُ لَهُمْ الْإِقْدَامَ عَلَى إقَامَةِ الْحَدِّ رَجْمًا كَانَ أَوْ قَتْلًا حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا فِي السَّرِقَةِ

(قَالَ) وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا وَقَالَ الرَّابِعُ لَمْ أَرَ مَا قَالُوا وَلَكِنِّي رَأَيْتُهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الرَّابِعَ مَا شَهِدَ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَتَكَامَلْ عَدَدُ شُهُودِ الزِّنَا فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيُحَدُّ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوهُ بِالزِّنَا حَيْثُ لَمْ يَتَكَامَلْ عَدَدُ الشُّهُودِ وَلَا يُحَدُّ الرَّابِعُ؛ لِأَنَّهُ مَا نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا بِقَوْلِهِ رَأَيْتُهُمَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ، وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ حِين امْتَنَعَ زِيَادٌ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى صَرِيحِ الزِّنَا وَلَمْ يُقِمْ الْحَدَّ عَلَى زِيَادٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّابِعُ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ ثُمَّ سُئِلَ عَنْ صِفَتِهِ فَلَمْ يَصِفْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَوْلِهِ إنَّهُ زَانٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَسَبَهُ إلَى الزِّنَا بِهَذَا وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ لَمْ يُؤَكِّدْ ذَلِكَ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَلَكِنْ قَالَ هَذَا زَانٍ كَانَ قَاذِفًا لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُسْتَوْجِبًا الْحَدَّ فَهُنَا أَوْلَى، وَتَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّابِعَ إذَا قَالَ: هَذَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ سِوَى الْمَجْلِسِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ الثَّلَاثَةُ، فَأَمَّا إذَا اجْتَمَعَ الْأَرْبَعَةُ فِي مَجْلِسٍ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَأَبَى بَعْضُهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>