للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا؛ لِأَنَّهُ مُصِرٌّ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَالْتِزَامُ الْعُقُوبَةِ مَعَ إنْكَارِ الْإِحْصَانِ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ الْإِحْصَانَ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْإِحْصَانِ بَعْدَ إنْكَارِهِ كَانَ يُرْجَمُ، فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ

[الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِهَا غَائِبَةً]

(قَالَ) فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِهَا غَائِبَةً فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُحَدَّ الرَّجُلُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ رُبَّمَا ادَّعَتْ شُبْهَةَ نِكَاحٍ مُسْقِطَةٍ لِلْحَدِّ عَنْهَا فَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ، وَقِيلَ: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى قِيَاسِ مَسْأَلَةِ السَّرِقَةِ إذَا قَالَ: سَرَقْت أَنَا وَفُلَانٌ مَالَ فُلَانٍ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدٌّ «لِحَدِيثِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُحْضِرْ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَلَكِنْ أَمَرَ بِرَجْمِهِ»، وَفِي «حَدِيثِ الْعَسِيفِ أَوْجَبَ الْجَلْدَ عَلَى ابْنِ الرَّجُلِ ثُمَّ قَالَ: اُغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَدَلَّ أَنَّ حُضُورَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا مِنْ شُبْهَةٍ تَدَّعِيهَا إذَا حَضَرَتْ فَالرَّجُلُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ، وَتَوَهُّمُ أَنْ تَحْضُرَ فَتَدَّعِي الشُّبْهَةَ كَتَوَهُّمِ أَنْ يَرْجِعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ.

فَكَمَا لَا يَمْتَنِعُ إقَامَةُ حَدٍّ عَلَى الْمُقِرِّ لِتَوَهُّمِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، فَكَذَلِكَ هَذَا، وَإِنْ جَاءَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا حُدَّ الرَّجُلُ فَادَّعَتْ النِّكَاحَ وَطَلَبَتْ الْمَهْرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْمَهْرُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ بِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ زِنًى بِهَا حِينَ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالزِّنَا لَا يُوجِبُ الْمَهْرَ وَهِيَ تَدَّعِي إبْطَالَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِقَوْلِهَا

(قَالَ) أَرْبَعَةٌ فُسَّاقٌ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَقَرَّ هُوَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ الْأَقَارِيرُ الْأَرْبَعَةُ أَوْ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ عُدُولٍ، وَلَا يُقَالُ: إقْرَارُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً تَعْدِيلٌ مِنْهُ لِلشُّهُودِ وَتَصْدِيقٌ لَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْتَحِقُوا بِالْعُدُولِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ، وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْخَصْمُ، فَإِنَّ التَّوَقُّفَ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ إقْرَارُهُ مَانِعٌ مِنْ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُنْكِرِ دُونَ الْمُقِرِّ إلَّا إنَّهُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا يُجْعَلُ الْإِقْرَارُ الْوَاحِدُ كَالْمَعْدُومِ لَمَّا لَمْ يَتَبَيَّنْ بِهِ سَبَبُ حَدٍّ فَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ عُدُولًا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ وَذَكَرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِإِقْرَارِهِ لِكَوْنِهِ حُجَّةً عَلَى الْمُنْكِرِ لَا عَلَى الْمُقِرِّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ عُدُولٌ فَاسْتَغْنَى عَنْ إقْرَارِهِ فَبَطَلَ الْإِقْرَارُ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْفَاسِقِ.

(فَإِنْ قِيلَ) فَبِالْإِقْرَارِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ يَثْبُتُ الْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْمَهْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَرَّرَ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْمَهْرِ عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْتُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي السَّرِقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>