للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ فَبِالْإِقْرَارِ الْوَاحِدِ يَجِبُ الضَّمَانُ فَلَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ الضَّمَانِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ إقْرَارِهِ بِالزِّنَا مُرَاعًى مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّنَا غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْمَهْرِ فَإِنْ تَمَّ عَدَدُ الْأَرْبَعَةِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُوجِبًا لِلْمَهْرِ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ كَانَ مُوجِبًا لِلْمَهْرِ، كَمَا أَنَّهُ بَعْدَ تَمَامِ الْإِقْرَارِ إنْ رَجَعَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ نَفْسَ الْأَخْذِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الضَّمَانُ لِضَرُورَةِ اسْتِيفَاءِ الْقَطْعِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ

(قَالَ) وَإِذَا وَطِئَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ الَّتِي تَمَكَّنَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ، وَمَالُك لِأَبِيك» وَكَيْف يَجِبُ الْحَدُّ؟ وَلَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ النَّسَبُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ.

وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ امْرَأَتِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحُرْمَةِ الْفِعْلِ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ هُنَا فِي الْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ مِنْ حَيْثُ الِاشْتِبَاهُ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا إذَا لَمْ يُشْتَبَهْ، فَأَمَّا إذَا قَالَ الْوَاطِئُ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي، أَوْ قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي، لَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ مُعْتَبَرٌ بِالشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَدَعْوَى الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ مِنْ أَحَدِهِمَا يُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْهُمَا، فَكَذَلِكَ شُبْهَةُ الِاشْتِبَاهِ.

وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ رَجُلٌ أَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةَ أُمِّهِ فَقَالَ لَهُ: أَوَطِئْتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، حَتَّى قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ الْحَدَّ.

وَخَطَّأَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْقَضَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ بِإِقْرَارِهِ بِلَفْظِ الْوَطْءِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ مَا لَمْ يُقِرَّ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَالثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْإِقْرَارَ فِي هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِهِ: أَفَعَلْت، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى تَلْقِينِ الرُّجُوعِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ عِلْمِهِ بِحُرْمَتِهَا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ مَا لَمْ يَعْلَمْ عِلْمَهُ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ

(قَالَ)، وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ، وَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْمِلْكِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

(قَالَ) فِي الْأَصْلِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا كَالسَّرِقَةِ يَعْنِي إذَا سَرَقَ مَالَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتِهِ لَا يُقْطَعُ ثُمَّ أَجَابَ وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ زَنَى بِأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ حَدَدْته، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لَمْ أَقْطَعْهُ؟ وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ لَا بُدَّ مِنْ هَتْكِ الْحِرْزِ، وَالْإِحْرَازُ لَا يَتِمُّ فِي حَقِّ ذِي الرَّحِمِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ بَيْتَ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا

[وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ]

(قَالَ) وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ فَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا لَمْ تَثْبُتْ دَعْوَةُ الْجَدِّ إذَا كَذَّبَهُ وَلَدُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاسْتِيلَادِ تُبْنَى عَلَى وِلَايَةِ نَقْلِ الْجَارِيَةِ إلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ لِلْجَدِّ وِلَايَةُ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَلَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>