للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْمُسْلِمُونَ وَاثِقُونَ بِجَمِيلِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نُصْرَةِ أَوْلِيَائِهِ يَنْصُرُهُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَرَهُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَأَمَّا عِنْدَنَا الْحَقُّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَيَتَأَكَّدُ الْإِحْرَازُ وَيَتَمَكَّنُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشَّفِيعِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ الضَّعِيفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ السَّبَبَ لَا يَتِمُّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْقَهْرُ وَقَبْلَ الْإِحْرَازِ هُمْ قَاهِرُونَ يَدًا مَقْهُورُونَ دَارًا وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يَكُونُ ضَعِيفًا وَهَذَا لِأَنَّ الْبُقْعَةَ إنَّمَا تُنْسَبُ إلَيْنَا أَوْ إلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ الْقُوَّةِ وَالشَّوْكَةِ وَلَمَّا بَقِيَتْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ مَنْسُوبَةً إلَيْهِمْ عَرَفْنَا أَنَّ الْقُوَّةَ فِيهَا لَهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَتْرُكَ هَذِهِ الْبُقْعَةَ فِي أَيْدِيهِمْ وَإِنَّمَا حَلَّ ذَلِكَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَقَامِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَعَرَفْنَا أَنَّا نُحْسِنُ الْعِبَارَةَ فِي قَوْلِنَا إنَّهُ هَزَمَ الْمُشْرِكِينَ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُنْهَزِمُ مِنْهُمْ حِينَ تَرَكَ هَذَا الْمَوْضِعَ فِي أَيْدِيهِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ بِالْأَخْذِ يَمْلِكُ الْأَرَاضِيَ كَمَا يَمْلِكُ الْأَمْوَالَ ثُمَّ لَا يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ فِي الْأَرْضِ الَّتِي نَزَلُوا فِيهَا إذَا لَمْ يُصَيِّرْهَا دَارَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْقَصْدُ إلَى التَّمَلُّكِ وُجِدَ فِي الْكُلِّ فَإِنَّهُ مَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ إلَّا قَاصِدًا لِمِلْكِ الْأَرَاضِيِ وَالْأَمْوَالِ عَلَيْهِمْ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَسْنَا نُسَلِّمُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ نَفْسُ الْأَخْذِ بَلْ هُوَ قَهْرٌ يَحْصُلُ بِهِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِهَذَا كَانَ الْمُصَابُ غَنِيمَةً يُخَمَّسُ وَهَذَا الْقَهْرُ لَا يَتِمُّ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَلَا بِقَهْرِ الْمُلَّاكُ بَلْ بِقَهْرِ جَمِيعِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَذَلِكَ بِالْإِحْرَازِ لِيَكُونَ حِينَئِذٍ جَمِيعُ دَارِهِمْ مُقَابَلًا بِجَمِيعِ دَارِنَا فَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْرَازِ يُقَابِلُ جَمِيعَ دَارِهِمْ بِالْجَيْشِ وَلَيْسَ بِهِمْ قُوَّةُ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُرَاغَمَ إذَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِمَنَعَةِ أَهْلِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى قَهْرِ مَوْلَاهُ فَقَطْ وَذَلِكَ يَتِمُّ بِالْجَيْشِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُمُسُ فِي رَقَبَتِهِ.

وَإِذَا كَانَ الْقِتَالُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَبِنَفْسِ الْأَخْذِ يَصِيرُ الْمَالُ مُحَرَّزًا بِالدَّارِ فَيَتِمُّ الْقَهْرُ وَإِذَا صَيَّرَ الْبُقْعَةَ دَارَ إسْلَامٍ فَقَدْ تَمَّ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ الْمَالُ يَتَأَكَّدُ حَقُّهُمْ فِيهَا وَأَنَّ الْحَقَّ يَتَأَكَّدُ فِي الْأَرَاضِيِ أَيْضًا وَبِهِ فَارَقَ الصَّيْدَ فَسَبَبُ الْمِلْكِ هُنَاكَ الْأَخْذُ وَهُوَ الْقَهْرُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فِي نَفْسِهِ وَهُنَا الِامْتِنَاعُ فِي الْمَالِ بَلْ فِيمَنْ يُقَاتِلُ دُونَهُ وَذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَا يَتِمُّ قَهْرُ جَمِيعِهِمْ إلَّا بِالْإِحْرَازِ حُكْمًا نَقُولُ: فَإِنْ قَسَّمَهَا جَازَ لِأَنَّهُ أَمْضَى فَصْلًا مُجْتَهِدًا فِيهِ وَقَضَاءُ الْمُجْتَهِدِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ نَافِذٌ وَبَيَانُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْمِلْكُ أَنَّهُ هَلْ يَتِمُّ بِنَفْسِ الْأَخْذِ أَمْ لَا فَإِذَا نَفَذَ بِاجْتِهَادِهِ كَانَ صَحِيحًا كَمَا إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ الْأَعْمَى أَوْ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>