للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمَ الْخَنْدَقِ طَلِيعَةً» وَقَدْ ذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ مَا أَصَابَ هَذَا الْوَاحِدُ لِأَنَّ أَخْذَهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ إعْزَازِ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يُجَاهِرُ بِمَا يَأْخُذُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ سِرًّا إذْ هُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَهُوَ كَالدَّاخِلِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَا مَنْعَةَ لَهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عَلَى سَبِيلِ التَّلَصُّصِ فَلَا خُمْسَ فِيمَا أَصَابُوا عِنْدَنَا وَلَكِنْ مَنْ أَصَابَ مِنْهُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً وَإِنْ أَصَابُوا جَمِيعًا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يَفْضُلُ الْفَارِسَ عَلَى الرَّاجِلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُخَمَّسُ مَا أَصَابُوا وَيَقْسِمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: ٤١] وَالْغَنِيمَةُ اسْمُ مَالٍ يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكَفَرَةِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَهُنَا فَإِنَّهُمْ دَخَلُوا لِلْمُحَارَبَةِ وَالْقَهْرِ لِأَنَّ الْقَهْرَ تَارَةً يَكُونُ بِالْقُوَّةِ جِهَارًا وَتَارَةً يَكُون بِالْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ سِرًّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَرْبُ خُدْعَةٌ».

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ كَانَ مَا يَأْخُذُونَ غَنِيمَةً وَصِفَةُ أَحَدِهِمْ لَا تَخْتَلِفُ بِوُجُودِ إذْنِ الْإِمَامِ وَعَدَمِهِ.

(وَحُجَّتُنَا) مَا رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسَرُوا ابْنًا لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْكُو مَا يَلْقَى مِنْ الْوَحْشَةِ «فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ قَوْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ الِابْنُ عَنْ قَلِيلٍ بِقَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا» وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْغَنِيمَةَ اسْمٌ لِمَالٍ مُصَابٍ بِأَشْرَفِ الْجِهَاتِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازُ الدِّينِ وَلِهَذَا جُعِلَ الْخُمُسُ مِنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِيمَا يَأْخُذُهُ الْوَاحِدُ عَلَى سَبِيلِ التَّلَصُّصِ فَيَتَمَحَّضُ فِعْلُهُ اكْتِسَابًا لِلْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِطَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانُوا أَهْلَ مَنْعَةٍ وَشَوْكَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْ الَّذِينَ لَهُمْ مَنْعَةٌ لَوْ أَمِنَهُمْ صَحَّ أَمَانُهُ وَاللِّصُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَوْ أَمِنَهُمْ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِيمَا إذَا كَانَ دُخُولُ الْوَاحِدِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

وَإِنْ دَخَلَ مُسْلِمٌ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى جَارِيَةً كِتَابِيَّةً وَاسْتَبْرَأَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا هُنَاكَ لِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهَا تَمَّ بِتَمَامِ سَبَبِهِ فَإِنَّ الشِّرَاءَ فِي كَوْنِهِ سَبَبَ الْمِلْكِ تَامٌّ لَا يَخْتَلِفُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْمُتَلَصِّصِ إذَا أَصَابَ جَارِيَةً فَإِنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ هُنَاكَ لَمْ يَتِمَّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ لِكَوْنِهِ مَقْهُورًا فِي دَارِهِمْ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَّصِلُ بِجَيْشٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُشَارِكُونَهُ فِيهَا إذَا شَارَكُوهُ فِي الْإِحْرَازِ.

(قَالَ): وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ أُمَّتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَسْلٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّوَطُّنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ»

<<  <  ج: ص:  >  >>