للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعُشْرَ يُبْتَدَأُ بِهِ الْمُسْلِمُ فَيُضَعَّفُ عَلَى التَّغْلِبِيِّ كَالزَّكَاةِ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَذَكَرْنَا قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَنَّ التَّضْعِيفَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَرَاضِيِ الَّتِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهَا فَأَمَّا فِيمَا اشْتَرَاهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَا تَتَغَيَّرُ الْوَظِيفَةُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِ كَمَا لَا تَتَغَيَّرُ وَظِيفَةُ الْخَرَاجِ إذَا اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَرْضًا خَرَاجِيَّةً وَكَمَا لَا تَتَغَيَّرُ وَظِيفَةُ الْعُشْرِ إذَا اشْتَرَاهَا مُكَاتَبٌ أَوْ صَبِيٌّ.

(قَالَ): أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ أَرْضًا بِمَكَّةَ فِي الْحَرَمِ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ أَوْ تَغْلِبِيُّ كَانَتْ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً أَوْ تَتَحَوَّلُ عَنْ الْعُشْرِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ.

وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَ الْإِسْلَامِ مُسْتَأْمَنًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً ذِمِّيَّةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِامْرَأَتِهِ فِي السُّكْنَى فَهُوَ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَصِرْ رَاضِيًا بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنَّمَا اسْتَأْمَنَ إلَيْنَا لِلتِّجَارَةِ وَالتَّاجِرُ قَدْ يَتَزَوَّجُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْصِدُ التَّوَطُّنَ فِيهِ فَلِهَذَا لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا فَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامِ وَأَوْطَنَ فَحِينَئِذٍ تُوضَعُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِ وَيَأْمُرَهُ بِالْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ وَفِي التَّقَدُّمِ إلَيْهِ إنْ بَيَّنَ مُدَّةً فَقَالَ: إنْ خَرَجْت إلَى وَقْتِ كَذَا وَإِلَّا جَعَلْتُك ذِمِّيًّا فَإِنْ خَرَجَ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ تَرَكَهُ لِيَذْهَبَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ الْخُرُوجِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ ذِمِّيًّا لِأَنَّ مُقَامَهُ بَعْدَ التَّقَدُّمِ إلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رِضًا مِنْهُ بِالْمُقَامِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ وَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ فَإِذَا أَقَامَ فِي دَارِنَا بَعْدَ ذَلِكَ حَوْلًا لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِأَنَّ هَذَا لَإِبْلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ لِذَلِكَ حَسَنٌ كَمَا فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ فَزَرَعَهَا يُوضَعُ عَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَرْضِ وَالرَّأْسِ أَمَّا خَرَاجُ الْأَرْضِ فَلِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ حِينَ اسْتَغَلَّ الْأَرْضَ ثُمَّ بِالْتِزَامِ خَرَاجِ الْأَرْضِ صَارَ رَاضِيًا بِالْتِزَامِ أَحْكَامِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالِالْتِزَامُ تَارَةً يَكُونُ نَصًّا وَتَارَةً يَكُونُ دَلَالَةً.

وَالْحَرْبِيَّةُ الْمُسْتَأْمَنَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا فَقَدْ تَوَطَّنَتْ وَصَارَتْ ذِمِّيَّةً لِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي السُّكْنَى تَابِعَةٌ لِلزَّوْجِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْخُرُوجَ إلَّا بِإِذْنِهِ فَجَعْلُهَا نَفْسَهَا تَابِعَةً لِمَنْ هُوَ مِنْ دَارِنَا رَضِيَ بِالتَّوَطُّنِ فِي دَارِنَا عَلَى التَّأْبِيدِ فَرِضَاهَا بِذَلِكَ دَلَالَةٌ كَالرِّضَا بِطَرِيقِ الْإِفْصَاحِ فَلِهَذَا صَارَتْ ذِمِّيَّةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>