للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ يَسْتَنِدُ التَّوْرِيثُ إلَى أَوَّلِ الرِّدَّةِ لِيَكُونَ فِيهِ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَلِهَذَا يُقْتَلُ، وَالْحَرْبِيُّ الْمَقْهُورُ فِي أَيْدِينَا يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ كَالْمَأْسُورِينَ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ تَوَقُّفُ حَالِهِمْ بَيْنَ الِاسْتِرْقَاقِ وَالْقَتْلِ وَالْمَنِّ، وَهَهُنَا بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْإِسْلَامِ، ثُمَّ تَوَقُّفُ تَصَرُّفِهِمْ هُنَاكَ لِتَوَقُّفِ حَالِهِمْ فَكَذَلِكَ هَهُنَا.

وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُرْتَدُّ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ ابْنُهُ أَيْضًا، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا عِتْقُ الْمُرْتَدِّ فَكَانَ مَوْقُوفًا فَبِمَوْتِهِ يَبْطُلُ، وَأَمَّا عِتْقُ الْوَارِثِ فَقَدْ سَبَقَ مِلْكَهُ؛ لِأَنَّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ لَا مِلْكَ لِلْوَارِثِ فِي مَالِهِ بَلْ الْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَدِّ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْوَارِثِ، وَهَذَا بِخِلَافِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ بِالدَّيْنِ إذَا أَعْتَقَ الْوَارِثُ عَبْدًا مِنْهَا ثُمَّ سَقَطَ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّوْرِيثِ هُنَاكَ قَدْ تَمَّ، وَالتَّوَقُّفُ لَحِقَ الْغُرَمَاءَ، وَالْعِتْقُ بَعْدَ تَمَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ لَا يَتَوَقَّفُ، وَهَهُنَا أَصْلُ السَّبَبِ انْعَقَدَ بِالرِّدَّةِ، وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ لِقِيَامِ الْأَصْلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَالْخِلَافَةُ تَكُونُ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَصْلِ فَلِهَذَا لَا تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَإِذَا مَاتَ الِابْنُ وَلَهُ مُعْتَقٌ وَالْأَبُ مُرْتَدٌّ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَهُ مُعْتَقٌ كَانَ مِيرَاثُ الْأَبِ لِمُعْتَقِهِ دُونَ مُعْتَقِ الِابْنِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ، وَإِنْ انْعَقَدَ بِالرِّدَّةِ، فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ وَقْتِ تَمَامِ السَّبَبِ بَطَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ إلَى وَقْتِ تَمَامِ السَّبَبِ شَرْطٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْفَصْلِ، وَمَا اكْتَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُمَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَسْبِ الرِّدَّةِ أَنَّهُ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَضَى دَيْنَهُ بِكَسْبِ رِدَّتِهِ أَوْ رَهْنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ كَانَ صَحِيحًا، فَكَذَلِكَ كَسْبُ الْإِسْلَامِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ سَلَّمَ وَاشْتَغَلَ بِالْفَرْقِ فَقَالَ: تَصَرُّفُهُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَسْبُهُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُنَافِي الْمِلْكَ، فَأَمَّا فِي كَسْبِ الْإِسْلَامِ تَصَرُّفُهُ بِاعْتِبَارِ مِلْكِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَوَقُّفَ مِلْكِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتَوَقَّفُ تَصَرُّفُهُ فِي الْكَسْبَيْنِ جَمِيعًا، وَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ، فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَقْضِي دُيُونَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ وَرِيثِهِ، وَلَا حَقَّ لِوَرَثَتِهِ فِي كَسْبِ رِدَّتِهِ بَلْ هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ، فَلِهَذَا كَانَ فَيْئًا إذَا قُتِلَ فَكَانَ وَفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ خَالِصِ حَقِّهِ أَوْلَى، فَعَلَى هَذَا نَقُولُ: عَقْدُ الرَّهْنِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ.

وَإِذَا قَضَى دَيْنَهُ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ أَوْ رَهْنَهُ بِالدَّيْنِ فَقَدْ فَعَلَ عَيْنَ مَا كَانَ يَحِقُّ فِعْلُهُ؛ فَلِهَذَا كَانَ نَافِذًا، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِكَسْبِ الْإِسْلَامِ فِي قَضَاءِ دُيُونِهِ، فَإِنْ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>