للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَرِثُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَرِثُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيُحْرِمُهُ الْمِيرَاثَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ظُلْمًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ، وَهَذَا لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ تَأْوِيلُهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُوَرِّثِهِ الْعَادِلِ، وَلَا عَلَى سَائِرِ وَرَثَتِهِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ خَاصَّةً يُوَضِّحُهُ أَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ الْبَغْيِ عِنْدَ انْضِمَامِ الْمَنَعَةِ يُعْتَبَرُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَتَأْثِيرُ ذَلِكَ فِي إسْقَاطِ ضَمَانِ النَّفْسِ، وَالْمَالِ لَا فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ إذْ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ، فَكَذَلِكَ تَأْوِيلُ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَهُمَا يَقُولَانِ: الْمُقَاتَلَةُ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ بِتَأْوِيلِ الدِّينِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْأَحْكَامِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْآثَامِ كَمَا فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ، وَكَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَمَا أَنَّ قَتْلَ الْبَاغِي مُوَرِّثَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَتْلُ الْحَرْبِيِّ كَذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ، حَتَّى إذَا جَرَحَ الْكَافِرُ مُوَرِّثَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَرِثَهُ، وَكَمَا أَنَّ اعْتِقَادَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْعَادِلِ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ سُقُوطِ حَقِّهِ فِي الضَّمَانِ لَا يَكُونُ حُجَّةً، وَلَكِنْ قِيلَ: لَمَّا انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ بِانْضِمَامِ الْمَنَعَةِ إلَى التَّأْوِيلِ جُعِلَ الْفَاسِدُ مِنْ التَّأْوِيلِ كَالصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ التَّوْرِيثِ.

وَيُكْرَهُ لِلْعَادِلِ أَنْ يَلِيَ قَتْلَ أَخِيهِ وَأَبِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، أَمَّا فِي حَقِّ الْأَبِ لَا يُشْكِلُ، فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ قَتْلُ أَبِيهِ الْمُشْرِكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] فَالْمُرَادُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ كَذَلِكَ تَأْوِيلُ الْآيَةِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [لقمان: ١٥] «وَلَمَّا اسْتَأْذَنَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ الْمُشْرِكِ كَرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ يَكْفِيكَ ذَلِكَ غَيْرُكَ»، وَكَذَلِكَ «لَمَّا اسْتَأْذَنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتْلِ أَبِيهِ الْمُشْرِكِ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ»، وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ أَخِيهِ إذَا كَانَ مُشْرِكًا، وَيُكْرَهُ إذَا كَانَ بَاغِيًا؛ لِأَنَّ فِي حَقِّ الْبَاغِي اجْتَمَعَ حُرْمَتَانِ حُرْمَةُ الْقَرَابَةِ، وَحُرْمَةُ الْإِسْلَامِ فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ الْقَصْدِ إلَى قَتْلِهِ، وَفِي حَقِّ الْكَافِرِ إنَّمَا وُجِدَ حُرْمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْقَرَابَةِ، فَذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقَتْلِ كَالْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الدِّينِ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ.

فَإِنَّ قَصَدَهُ أَبُوهُ الْمُشْرِكُ أَوْ الْبَاغِي لِيَقْتُلَهُ كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ وَيَقْتُلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ لَا قَتْلَ أَبِيهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَدْفَعَ قَصْدَ الْغَيْرِ عَنْ نَفْسِهِ.

وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي صَفِّ أَهْلِ الْبَغْيِ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي صَفِّ أَهْلِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِقِتَالِ الْفَرِيقَيْنِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ وَاقِفًا فِي صَفِّهِمْ فَقِتَالُهُ حَلَالٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>