للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَمَلَتْك أَكَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ حِينَ أَرْضَعَتْك حَوْلَيْنِ الْحَدِيثُ إلَى أَنْ قَالَ الرَّجُلُ: أَرَأَيْت لَوْ حَمَلْتهَا عَلَى عَاتِقِي وَحَجَجْت بِهَا أَكُنْت قَاضِيًا حَقَّهَا فَقَالَ لَا وَلَا طَلْقَةَ» وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَوْضِعِ الطَّوَافِ رَجُلًا قَدْ حَمَلَ أُمَّهُ عَلَى عَاتِقِهِ يَطُوفُ بِهَا فَلَمَّا رَأَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ارْتَجَزَ فَقَالَ:

أَنَا لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ ... إذَا الرِّكَابُ ذَعَرَتْ لَمْ أَذْعَرْ

حَمَلْتهَا مَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ ... فَهَلْ تَرَى جَازَيْتهَا يَابْنَ عُمَرَ

فَقَالَ: لَا وَلَا طَلْقَةَ يَا لُكَعُ وَلِأَنَّ بِسَبَبِ السَّتْرِ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الْعَوْرَةِ وبالْمَحْرَمِيَّةِ يَنْعَدِمُ مَعْنَى الشَّهْوَةِ فَلَا بَأْسَ بِحَمْلِهَا وَمَسّهَا فِي الْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ كَمَا فِي حَقِّ الْجِنْسِ

وَأَمَّا النَّظَرُ إلَى إمَاءِ الْغَيْرِ وَالْمُدَبَّرَاتِ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالْمُكَاتَبَاتِ فَهُوَ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٩] الْآيَةُ وَقَدْ كَانَتْ الْمُمَازَحَةُ مَعَ إمَاءِ الْغَيْرِ عَادَةً فِي الْعَرَبِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَرَائِرَ بِاِتِّخَاذِ الْجِلْبَابِ لِيُعْرَفْنَ بِهِ مِنْ الْإِمَاءِ فَدَلَّ أَنَّ الْإِمَاءَ لَا تَتَّخِذُ الْجِلْبَابَ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً عَلَاهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ: أَلْقِ عَنْك الْخِمَارَ يَا دِفَارِ وَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الْأَمَةَ أَلْقَتْ قُرُونَهَا مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ أَيْ لَا تَتَقَنَّعُ قَالَ أَنَسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُنَّ جِوَارِي عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْدُمْنَ الضِّيفَانَ كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ مُضْطَرِبَاتِ الْبَدَنِ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا وَإِنَّمَا تَخْرُجُ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَحَالُهَا مَعَ جَمِيعِ الرِّجَالِ فِي مَعْنَى الْبَلْوَى بِالنَّظَرِ وَالْمَسِّ كَحَالِ الرَّجُلِ فِي ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا كَمَا فِي حَقِّ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الرَّازِيّ يَقُولُ: لَا يُنْظَرُ إلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى رُكْبَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى مَا وَرَاءِ ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا إلَّا إلَى مَوْضِعِ الْمِئْزَرِ وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَتَّزِرُ عَلَى الصَّدْرِ فَهُوَ مُرَادُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكُلُّ مَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهَا يُبَاحُ مَسُّهُ مِنْهَا إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ مَرَّ بِجَارِيَةٍ تُبَاعُ فَضَرَبَ فِي صَدْرِهَا وَمَسَّ ذِرَاعَهَا ثُمَّ قَالَ: اشْتَرُوا فَإِنَّهَا رَخِيصَةٌ فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا بَأْسَ بِهِ لِمَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ أَوْ لَا يُرِيدُ وَهَذَا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَلِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسِّ لِيَعْرِفَ لِينَ بَشَرَتِهَا فَيَرْغَبُ فِي شِرَائِهَا وَتَحِلُّ الْخَلْوَةُ وَالْمُسَافَرَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إلَّا أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>