للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي التَّحَرِّي، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ لَمَّا تَعَارَضَتْ فِي حَقِّ الْمَكَانِ يَتَرَجَّحُ الْإِسْلَامُ بِاعْتِبَارِ الْوَاجِدِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ بِاعْتِبَارِ عُلُوِّ حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَلِهَذَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ.

وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ عَلَى دَابَّةٍ فَالدَّابَّةُ لَهُ لِسَبْقِ يَدِهِ إلَيْهَا فَإِنَّ الْمَرْكُوبَ تَبَعٌ لِرَاكِبِهِ، وَهُوَ كَمَالٌ آخَرُ يُوجَدُ مَعَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ لَهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ وَضَعَ مَعَهُ الْمَالَ فَإِنَّمَا وَضَعَ لِيُنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَكَذَلِكَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا لِيُنْفَقَ عَلَيْهِ مَالِيَّةُ تِلْكَ الدَّابَّةِ.

وَإِذَا وُجِدَ اللَّقِيطُ بِالْكُوفَةِ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ حُكِمَ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَالْإِسْلَامِ فَلَوْ جُعِلَ ابْنُ الْكَافِرِ بِدَعْوَاهُ لَكَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الدِّينِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بَعْدَمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَلِأَنَّ تَنْفِيذَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ نَوْعُ وِلَايَةٍ، وَلَا وِلَايَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ بَعْدَمَا حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَمَنَّ ادَّعَى نَسَبَهُ، وَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَهُوَ مُقَرٌّ لَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ فَيَكُونُ إقْرَارُهُ صَحِيحًا، وَمُوجَبُ كَلَامِهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا ثُبُوتُ نَسَبِهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَالْآخَرُ كُفْرُهُ، وَذَلِكَ يَضُرُّهُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ امْتِنَاعِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ امْتِنَاعُهُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ النَّسَبَ يَنْفَصِلُ عَنْ الدِّينِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْكَافِرِ مِنْ امْرَأَةِ مُسْلِمَةٍ يَكُونُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ الْكَافِرِ، وَيَكُونُ مُسْلِمًا فَهَذَا مِثْلُهُ.

[ادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ]

فَإِذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَنَّ اللَّقِيطَ عَبْدُهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُضِيَ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ، وَثُبُوتُ حُرِّيَّتِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ تُقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ، وَلَا خَصْمَ عَنْ اللَّقِيطِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ لَيْسَ بِوَلِيٍّ فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُ فِيمَا يَضُرُّهُ (قُلْنَا) الْمُلْتَقِطُ خَصْمٌ لَهُ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِحِفْظِهِ لِأَنَّهُ لَقِيطٌ فَلَا يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى رِقِّهِ فَلِهَذَا كَانَ خَصْمًا عَنْهُ فَإِنْ أَقَامَ الذِّمِّيُّ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. قِيلَ مُرَادُهُ أَنَّهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي مُعَارَضَةِ بَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى رِقِّهِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُعَارَضَةُ بِهَذِهِ لِأَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَا تَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ الْمُسْلِمِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ مُرَادَهُ إذَا ادَّعَى الذِّمِّيُّ ابْتِدَاءَ أَنَّهُ ابْنُهُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ مِنْهُ بِالدَّعْوَةِ، وَلَكِنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ فِي حُكْمِ الدِّينِ إنَّمَا تَقُومُ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْكُفْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ شُهُودُهُ مُسْلِمِينَ قَضَيْتُ لَهُ بِهِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ نَسَبَهُ مِنْهُ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فَيَصِيرُ تَبَعًا لَهُ فِي الدِّينِ، وَلَا يَأْخُذُهُ الْمُلْتَقِطُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَطَوِّعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>