للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْفِعْلِ الْمُعْتَبَرِ، قَوْلُهُ بِأَنَّ فِعْلَ الدَّابَّةِ هَدَرٌ قُلْنَا: نَعَمْ هُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ، وَلَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي نَسْخِ حُكْمِ الْفِعْلِ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرْسَلَ دَابَّتَهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَصَابَتْ فِي سَيْرِ إرْسَالِهِ مَالًا أَوْ نَفْسًا كَانَ الْمُرْسِلُ ضَامِنًا، وَلَوْ تَيَامَنَتْ أَوْ تَيَاسَرَتْ ثُمَّ أَصَابَتْ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ الْمُرْسِلُ، وَاعْتُبِرَ فِعْلُهَا فِي نَسْخِ حُكْمِ فِعْلِ الْمُرْسَلِ بِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يُعْتَبَرُ فِعْلُهَا فِي نَسْخِ حُكْمِ فِعْلِ الَّذِي حَلَّهَا أَوْ فَتَحَ بَابَ الْإِصْطَبْلِ بِهِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَجَاءَ حَرْبِيٌّ لَا أَمَانَ لَهُ، وَأَلْقَى فِيهِ غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْ الْحَافِرُ شَيْئًا، وَفِعْلُ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي نَسْخِ حُكْمِ فِعْلِ الْحَافِرِ بِهِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الزِّقِّ وَالْحَبْلِ، فَإِنَّهُ مَا طَرَأَ عَلَى فِعْلِهِ مَا يَنْسَخُهُ حَتَّى إذَا كَانَ مَا فِي الزِّقِّ جَامِدًا، ثُمَّ ذَابَ بِالشَّمْسِ فَسَالَ لَمْ يَضْمَنْ الشَّاقُّ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ بِأَنَّ عَمَلَهُ فِي اتِّحَادِ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْعِلَّةِ لَا يَسْبِقُهَا قُلْنَا: هَذَا شَرْطٌ فِي مَعْنَى السَّبَبِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، إلَّا أَنَّ السَّبَبَ يَتَقَدَّمُ، وَالشَّرْطَ يَتَأَخَّرُ، فَهَذَا التَّقَدُّمُ فِي مَعْنَى السَّبَبِ، وَلِكَوْنِهِ مُزِيلًا لِلْمَانِعِ هُوَ شَرْطٌ كَمَا بَيَّنَّا، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدٍ آبِقٍ فَذَهَبَ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِمَا قُلْنَا، قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الذَّهَابِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَيَبْقَى الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى إزَالَةِ الْمَانِعِ بِحَلِّ الْقَيْدِ، وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ كَانَ هَذَا الْمَجْنُونُ مُقَيَّدًا فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ فَحَلَّ إنْسَانٌ قَيْدَهُ وَفَتَحَ آخَرُ الْبَابَ فَذَهَبَ فَالضَّمَانُ عَلَى الْفَاتِحِ؛ لِأَنَّ حَلَّ الْقَيْدِ لَمْ يَكُنْ إزَالَةً لِلْمَانِعِ قَبْلَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِتْمَامِ ذَلِكَ بِالْفَاتِحِ لِلْبَابِ فَهُوَ الضَّامِنُ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي هَذِهِ الْفُصُولِ إنْ ذَهَبَ فِي فَوْرِ فَتْحِ الْبَابِ أَوْ حَلِّ الرِّبَاطِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَذْهَبْ فِي فَوْرِهِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَابَ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لَهُ، وَإِنَّمَا ذَهَبَ بِقَصْدٍ حَدَثَ لَهُ، وَقَصْدُ الدَّابَّةِ عِنْدَهُ مُعْتَبَرٌ، وَإِذَا ذَهَبَ فِي فَوْرِهِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَابَ كَانَ مَانِعًا، وَمَنْ أَزَالَ هَذَا الْمَانِعَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ فَيَكُونُ ضَامِنًا، وَإِذَا كَانَتْ اللُّقَطَةُ فِي يَدِ مُسْلِمٍ فَادَّعَاهَا رَجُلٌ وَوَصَفَهَا فَأَبَى الَّذِي فِي يَدِهِ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ كَافِرَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي اسْتِحْقَاقِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ كَافِرٍ فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا مِلْكُ الْمُسْلِمِ، وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ فِي اسْتِحْقَاقِ مِلْكِ الْمُسْلِمِ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، وَلَكِنْ فِي هَذَا الِاسْتِحْسَانِ يُقْضَى لَهُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ لِاسْتِحْقَاقِ الْيَدِ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، وَالْمُلْتَقِطُ كَافِرٌ.

وَشَهَادَةُ الْكَافِرِ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ، ثُمَّ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>