للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْكُسُورِ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا. وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ لِلرَّادِّ عُرِفَ شَرْعًا بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ قَدَّرُوهُ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِضُوا لَقِيمَةِ الْعَبْدِ، وَمَا ثَبَتَ مِنْ التَّقْدِيرِ شَرْعًا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَكَانَ عَمَلُ الرَّادِّ هُنَا فِي إيجَابِ جُعْلٍ مُقَدَّرٍ لَهُ بِمَنْزِلَةِ عَقْدٍ بَاشَرَهُ مَعَ الْمَوْلَى. فَكَمَا يَسْتَحِقُّ هُنَاكَ جَمِيعَ الْمُسَمَّى، وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ فَكَذَلِكَ هُنَا يُوَضِّحُهُ أَنَّ مَالِيَّةَ رَقَبَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ دُونَ الْأَرْبَعِينَ فَمَالِيَّةُ كَسْبِهِ الَّذِي يَحْصُلُ لِلْمَوْلَى قَدْ تَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنْ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ لِإِيجَابِ الْجُعْلِ ابْتِدَاءً فَلَأَنْ يُعْتَبَرَ لِتَكْمِيلِ الْجُعْلِ كَانَ أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ فَجُعْلُهُ عَلَى مَوْلَاهُ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِأَنْ يُقْضَى مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ أَبَى بِيعَ الْعَبْدُ وَاسْتَوْفَى صَاحِبُ الْجُعْلِ جُعْلَهُ، وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَصْحَابِ الدُّيُون، وَهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ - مِمَّا إذَا كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنُ جِنَايَةٍ - سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُنَاكَ الدَّفْعُ بِالْجِنَايَةِ، وَهُنَا الْبَيْعُ فِي الدَّيْنِ.

وَإِذَا أَخَذَ الرَّجُلُ عَبْدَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ عَبْدَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ عَبْدَ امْرَأَتِهِ أَوْ امْرَأَةٌ أَخَذَتْ عَبْدَ زَوْجِهَا فَالْقِيَاسُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَاحِدٌ أَنْ يَكُون لَهُ الْجُعْل إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْك أَحَدهمَا مُنْفَصِل عَنْ مِلْكِ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقَ مِنْهُ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِ بِالرَّدِّ فَيَسْتَوْجِبُ الْجُعْل كَسَائِرِ الْأَجَانِب، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ فَقَالَ إذَا وَجَدَ عَبْدَ أَبِيهِ، وَهُوَ فِي عِيَالِهِ، فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْآبِقِ عَلَى أَبِيهِ مِنْ جُمْلَةِ خِدْمَتِهِ، وَخِدْمَةُ الْأَبِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الِابْنِ دِينًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ دَيْنًا؛ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ ابْنَهُ لِخِدْمَتِهِ لَمْ يَسْتَوْجِب الْأَجْر سَوَاء كَانَ فِي عِيَاله أَوْ لَمْ يَكُنْ فَكَذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِب الْجُعْل بِرَدِّ آبِقِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ مَبْسُوطَةُ الْيَدِ فِي مَالِ صَاحِبِهِ، وَيَعُدُّ خَيْرَهُ خَيْرَ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمَرْأَةِ دِينًا حَتَّى لَا يَسْتَأْجِرُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ آبِقَ امْرَأَتِهِ عَادَةً. فَأَمَّا إذَا وَجَدَ عَبْد ابْنه، فَإِنْ كَانَ فِي عِيَال ابْنه، فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ آبِق الرَّجُل إنَّمَا يَطْلُبُهُ مِنْ فِي عِيَاله عَادَة؛ وَلِهَذَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَلَا يَسْتَوْجِبُ مَعَ ذَلِكَ جُعْلًا آخَرَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَب فِي عِيَال الِابْن فَلَهُ الْجُعْلُ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الِابْنِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْأَبِ دِينًا، وَلَا هُوَ سَائِغٌ لَهُ شَرْعًا؛ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَبَاهُ لِيَخْدِمَهُ فَخَدَمَهُ اسْتَوْجَبَ الْأَجْرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ الْجُعْلَ، وَكَذَلِكَ الْأَخ لَهُ الْجُعْل إذَا لَمْ يَكُنْ فِي عِيَال أَخِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِيَاله فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعُولُهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ لِهَذَا وَنَحْوِهِ، وَإِذَا أَبَقَ عَبْد الْيَتِيم فَجَاءَ بِهِ الْوَصِيُّ، فَلَا جُعْلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَطْلُب آبِق الْيَتِيم عَادَة، وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ عَبْده، فَلَا يَكُون لَهُ الرَّدّ عَلَى نَفْسه، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْيَتِيم فِي حِجْرِ رَجُلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>