للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُجُوهِهِ رَدُّ الْعَيْنِ إلَيْهِ فَفِيهِ إعَادَةُ الْعَيْنِ إلَى يَدِهِ كَمَا كَانَ فَهُوَ الْوَاجِبُ الْأَصْلِيُّ لَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِهَلَاكِهِ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْمِثْلِ جُبْرَانًا لِمَا فَوَّتَ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الْيَدِ الْمَقْصُودَةِ كَتَفْوِيتِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ.

(ثُمَّ) الْمِلْكُ نَوْعَانِ كَامِلٌ وَقَاصِرٌ، فَالْكَامِلُ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى. وَالْقَاصِرُ هُوَ الْمِثْلُ مَعْنًى أَيْ فِي صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، فَيَكُونُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ هُوَ الْمِثْلُ التَّامُّ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمِثْلُ الْقَاصِرُ خَلَفًا عَنْ الْمِثْلِ التَّامِّ فِي كَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ.

وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الْمَغْصُوبَ إذَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ فَعَلَيْهِ الْمِثْلُ عِنْدَنَا. وَقَالَ نُفَاةُ الْقِيَاسِ: عَلَيْهِ رَدُّ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَالِيَّةِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيصَالُ الْعَيْنِ إلَيْهِ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَالِ إلَيْهِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْغَاصِبِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَمَالِيَّةُ الشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ قِيمَتِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَتَسْمِيَةُ الْفِعْلِ الثَّانِي اعْتِدَاءً بِطَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ مَجَازًا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] وَالْمُجَازَاةُ لَا تَكُونُ سَيِّئَةً، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْجُبْرَانُ، وَذَلِكَ فِي الْمِثْلِ أَتَمُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةَ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ، وَفِي الْقِيمَةِ مُرَاعَاةُ الْمَالِيَّةِ فَقَطْ، فَكَانَ إيجَادُ الْمِثْلِ أَعْدَلَ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَحِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْمِثْلِ الْقَاصِرِ، وَهُوَ الْقِيمَةُ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ التَّحَوُّلَ إلَيْهِ الْآنَ يَكُونُ، فَإِنَّ الْمِثْلَ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ لَهُ حَتَّى لَوْ صَبَرَ إلَى مَجِيءِ أَوَانِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمِثْلِ، فَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ وَقْتَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمُسْتَهْلَكُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَاكَ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمِثْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُطَالَبٍ بِأَدَاءِ الْمِثْلِ بَلْ هُوَ مُطَالَبٌ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: لَمَّا انْقَطَعَ الْمِثْلُ فَقَدْ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فِي وُجُوبِ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَالْخَلَفُ إنَّمَا يَجِبُ بِالسَّبَبِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْأَصْلُ وَذَلِكَ الْغَصْبُ، فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: أَصْلُ الْغَصْبِ أَوْجَبَ الْمِثْلَ خَلَفًا عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ، وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يُوجِبُ الْقِيمَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ ضَمَانَيْنِ، وَلَكِنَّ الْمَصِيرَ إلَى الْقِيمَةِ لِلْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ بِالِانْقِطَاعِ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ بِآخِرِ يَوْمٍ كَانَ مَوْجُودًا فِيهِ فَانْقَطَعَ.

وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>