للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّسْلِيمِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ كَالْمُودِعِ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ غَصَبَهَا وَيَأْخُذَ الْأَوْلَادَ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأُمِّ يَثْبُتُ لِلْغَاصِبِ شَرْعًا لِتَقَرُّرِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ إلَى الْوَلَدِ، فَإِنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ لِلضَّمَانِ هُوَ الْغَصْبُ، وَوُجُوبُهُ حَقِيقَةً بَعْدَ مَوْتِ الْأُمِّ، فَأَمَّا قَبْلَ مَوْتِهَا الْوَاجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ، فَالْمِلْكُ يَثْبُتُ بِهِ كَذَلِكَ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ وَقْتَ الْغَصْبِ إنَّمَا يُثْبِتُ لَهُ حُكْمَ الْمِلْكِ لَا حَقِيقَةَ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ يَكْفِي لِسَلَامَةِ الْكَسْبِ دُونَ الْوَلَدِ، كَحُكْمِ الْمِلْكِ الثَّابِتِ لِلْمُكَاتَبِ بِالْكِتَابَةِ، حَتَّى أَنَّ كَسْبَهُ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمَوْلَى، وَوَلَدُهُ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ.

(رَجُلٌ) غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ، ثُمَّ قَتَلَهَا رَجُلٌ خَطَأً فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي مَالِهِ حَالًّا، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ فِي حَقِّهِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي التَّضْمِينِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، فَإِنَّمَا يُضَمِّنُهُ بِاعْتِبَارِ الْغَصْبِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهَا عِنْدَ ذَلِكَ، وَضَمَانُ الْغَصْبِ يَجِبُ حَالًّا عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُ بِالضَّمَانِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْقَاتِلَ جَانٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَلِهَذَا يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، أَوْ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا ضَمَّنَهُ فَقَدْ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي الرُّجُوعِ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ. وَهُوَ لَوْ اخْتَارَ الرُّجُوعَ عَلَيْهِمْ أَخَذَ مِنْهُمْ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ قِيمَتَهَا وَقْتَ الْقَتْلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِاعْتِبَارِ الْقَتْلِ بَدَلُ النَّفْسِ فَيَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا، فَكَذَلِكَ الْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ لَهُ مِمَّا يَقْبِضُ أَلْفًا قَدْرَ مَا ضَمِنَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالْأَلْفِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَهُوَ الْغَصْبُ الْمُتَقَدِّمُ، وَلِأَنَّهُ رِبْحٌ حَصَلَ لَا عَلَى مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَالرِّبْحِ الْحَاصِلِ لَا عَلَى ضَمَانِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ يَوْمَ غَصَبَهَا عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَيَوْمَ قَتَلَهَا الْقَاتِلُ كَذَلِكَ، فَمَوْلَاهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فِي مَالِهِ حَالَّةً بِسَبَبِ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِهَذَا السَّبَبِ بَدَلُ النَّفْسِ، وَبَدَلُ نَفْسِ الْأَمَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسَةِ آلَافٍ كَبَدَلِ نَفْسِ الْحُرَّةِ، وَيُنْقِصُ لِلرِّقِّ مِنْ ذَلِكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةً، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، إمَّا لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ جِنَايَةَ الْقَاتِلِ كَانَتْ عَلَى مِلْكِهِ.

فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ هِيَ الَّتِي قَتَلَتْ رَجُلًا خَطَأً أَخَذَهَا مَوْلَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>