للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَالَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ. أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ، فَغَرِقَتْ، فَنَاوَلَ الْوَدِيعَةَ إنْسَانًا عَلَى الْجِلْدِ - يُمْسِكُهَا - أَكَانَ ضَامِنًا؟.

(وَإِذَا) كَانَتْ الْوَدِيعَةُ إبِلًا، أَوْ بَقَرًا، أَوْ غَنَمًا، وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ، فَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، بِغَيْرِ أَمْرِهِ. وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي: يَسْأَلُهُ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ثُبُوتَ وِلَايَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ لِلْقَاضِي فِيهِ؛ فَلَا يُصَدِّقُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ.

فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا وَدِيعَةٌ عِنْدَهُ لِفُلَانٍ: أَمَرَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ، وَالْحَيَوَانُ لَا يَبْقَى بِدُونِ النَّفَقَةِ، وَالْمُودَعُ لَا يُنْفِقُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِالتَّبَرُّعِ بِهِ، فَيَأْمُرُهُ بِذَلِكَ، نَظَرًا مِنْهُ لِلْغَائِبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى رَبِّ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي - فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ - كَأَمْرِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ: كَانَ مَا يُنْفِقُهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْمَالِكِ. فَكَذَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي بِهِ.

فَإِذَا جَاءَ: أَجْبَرَهُ عَلَى رَدِّ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِهَا، فَعَلَ ذَلِكَ، وَإِذَا بَاعَهَا جَازَ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ تَلَفُ بَعْضِ الْمَالِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِ، وَفِي الْبَيْعِ يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ حِفْظُ جَمِيعِ الْمَالِيَّةِ فَلِهَذَا نَفَذَ بَيْعهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَهَا إلَى الْقَاضِي، وَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ أَلْبَانِهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ، يَخَافُ فَسَادَهُ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ ثَمَرَةَ أَرْضٍ فَبَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي؛ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا إنْ كَانَ فِي مِصْرٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْقَاضِي. وَإِنْ بَاعَهَا بِأَمْرِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبُ الْغَائِبِ فِيمَا يُرْجَعُ إلَى النَّظَرِ لَهُ، وَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْمَالِكِ فَبَاعَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ: لَمْ يَنْفُذْ بَيْعُهُ، وَكَانَ ضَامِنًا. فَكَذَلِكَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ اسْتِطْلَاعِ رَأْيِ الْقَاضِي فَلَمْ يَفْعَلْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ ذَلِكَ الشَّيْءُ: لَمْ يَضْمَنْ - اسْتِحْسَانًا -؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ الْآنَ مِنْ الْحِفْظِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا مَا أَتَى بِهِ. (وَحُكِيَ) أَنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَاتَ رَفِيقٌ لَهُمْ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ، فَبَاعُوا مَتَاعَهُ، وَجَهَّزُوهُ بِهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَمْ تَكُونُوا فُقَهَاءَ {وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} [البقرة: ٢٢٠]. وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْمُسْتَوْدَعُ؛ فَنَتَجَتْ، وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا أَمَرَ بِذَلِكَ: فَأَوْلَادُهَا لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ خَيْرٌ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْأَصْلِ، يُمَلَّكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَإِنْ هَلَكَتْ الْأُمَّهَاتُ بِذَلِكَ، فَالْمُسْتَوْدَعُ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ حِينَ أَتَى بِغَيْرِ مَا أُمِرَ بِهِ فَيَضْمَنُ مَا هَلَكَ بِسَبَبِهِ.

(وَلَوْ) أَكْرَى الْإِبِلَ إلَى مَكَّةَ، وَأَخَذَ الْكِرَاءَ كَانَ الْكِرَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ، وَلَيْسَتْ الْغَلَّةُ كَالْوَلَدِ وَلَا كَالصُّوفِ وَاللَّبَنِ؛ فَإِنَّ ذَاكَ يَتَوَلَّدُ مِنْ الْأَصْلِ فَيُمَلَّكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الْأَصْلِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ؛ فَيَكُونُ لِلْعَاقِدِ. وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>