للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ فِي إمْسَاكِهِ إلَى الْغَدِ مُتَعَدِّيًا.

(رَجُلٌ) أَرْسَلَ رَسُولًا يَسْتَعِيرُ لَهُ دَابَّةً مِنْ فُلَانٍ إلَى الْحِيرَةِ فَجَاءَ الرَّسُولُ إلَى صَاحِبِهَا وَقَالَ: إنَّ فُلَانًا يَقُولُ لَكَ أَعِرْنِي دَابَّتَكَ إلَى الْمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَجَاءَ بِهَا الرَّسُولُ فَدَفَعَهَا إلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ، ثُمَّ بَدَا لِلَّذِي أَرْسَلَهُ أَنْ يَرْكَبَهَا إلَى الْمَدِينَةِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِمَا كَانَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ فَرَكِبَهَا فَهَلَكَتْ تَحْتَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا، وَإِنْ رَكِبَهَا إلَى الْحِيرَةِ فَهَلَكَتْ تَحْتَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ الْمَالِكُ فَصَارَ مُسْتَعْمِلًا لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ ظَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ إذْنُ الْمَالِكِ، وَقَدْ كَانَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي طَلَبَ الرَّسُولُ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ الْمُرْسِلُ عَلَى الرَّسُولِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ عَقْدُ ضَمَانٍ إنَّمَا أَخْبَرَهُ بِخَبَرٍ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُبَلِّغْ رِسَالَتَهُ كَمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْكِرَاءُ فِي هَذَا قِيَاسُ الْعَارِيَّةِ.

وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتَنِي دَابَّتَكَ فَنَفَقَتْ، وَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ: مَا أَعَرْتُكهَا، وَلَكِنْ غَصَبْتَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَرْكَبْهَا؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِفِعْلِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ، وَهُوَ الْغَصْبُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ. إنْ كَانَ قَدْ رَكِبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ قَدْ ظَهَرَ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ دَابَّةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالْإِذْنُ الْمُسْقِطُ لِلضَّمَانِ لَا يَثْبُتُ بِدَعْوَاهُ، وَإِنْ قَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَجَرْتُكَهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الرُّكُوبَ حَصَلَ بِالْإِذْنِ، ثُمَّ رَبُّ الدَّابَّةِ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْأَجْرَ، وَالرَّاكِبُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعَيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ فَقَالَ: وَهَبْتَهَا لِي، وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ بِعْتُهَا مِنْكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْ مَالِيَّتِهِ إلَّا بِإِسْقَاطِهِ، فَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ إنَّمَا تَأْخُذُ حُكْمَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمَ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَرَبُّ الدَّابَّةِ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَالرَّاكِبُ مُنْكِرٌ؛ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا.

وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَرْضٍ وَنَخْلٍ أَنَّهَا لَهُ، وَقَدْ أَصَابَ ذُو الْيَدِ مِنْ غَلَّتِهَا، وَثَمَرَتِهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ، (وَقَالَ) ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ مَنْفَعَةُ الْأَشْجَارِ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً بِغَيْرِ عَقْدِ ضَمَانٍ كَمَنْفَعَةِ الدَّابَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الثَّمَرَةُ عَيْنُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا، وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ لِصَاحِبِ الشَّجَرَةِ لِتَوَلُّدِهَا مِنْ مِلْكِهِ، فَيَكُونُ الْمُصِيبُ ضَامِنًا لِمَالِهِ بِالْإِتْلَافِ، كَوَلَدِ الْجَارِيَةِ، وَالْحَمْلِ فِي الشَّاةِ إذَا أَتْلَفَهَا.

[غَصَبَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ وَزَرَعَهَا]

وَإِذَا غَصَبَ الرَّجُلُ الْأَرْضَ وَزَرَعَهَا فَالزَّرْعُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِعَمَلِهِ مِنْ بَذْرِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ جَارِيَةً فَأَحْبَلَهَا، فَإِنَّ الْوَلَدَ هُنَاكَ يَكُونُ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْوَلَدِ بِحَضَانَتِهَا فِي رَحِمِهَا لَا بِفِعْلِ الْوَاطِئِ، فَإِنَّ مَاءَ الْفَحْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>