للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي صِحَّةِ التَّأْجِيلِ. مَوْضِعُ بَيَانِهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ.

قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ تِجَارَتِهِمَا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا: لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَرُدَّهُ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ، وَلِأَنَّ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ أَجْنَبِيٌّ، وَفِي النِّصْفِ مُوَكِّلٌ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُخَاصَمَ فِي الْعَيْبِ مَعَ الْبَائِعِ فِيمَا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالًا مُضَارَبَةً، فَرَبِحَ فِيهِ: كَانَ الرِّبْحُ لَهُ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فِي شَيْءٍ؛ فَعَمَلُهُ فِيهِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً دُونَ شَرِيكِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمُضَارِبِ الرِّبْحَ بِعَمَلِهِ، وَكُلُّ وَضَيْعَةٍ لَحِقَتْ أَحَدَهُمَا مِنْ غَيْرِ شَرِكَتِهِمَا فَهِيَ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ فِيمَا لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ. وَعَلَى هَذَا: لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشَهَادَةٍ مِنْ غَيْرِ شَرِكَتِهِمَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَدْلٌ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِ بِخِلَافِ مَا هُوَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا؛ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ؛ لِمَا لَهُ مِنْ النَّصِيبِ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِشَرِيكِ الْعَنَانِ أَنْ يَضَعَ وَأَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً - وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ شَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ - وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْمَالِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا كُلَّ شَيْءٍ يَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يَعْمَلَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ (أَحَدُهُمَا): أَنَّ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُوَكِّلَ بِالتَّصَرُّفِ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَفِي الْقِيَاسِ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلُ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ. وَأَنَّ الْمُوَكِّلَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِ وَلَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ غَيْرِهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: التَّوْكِيلُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالتِّجَارَةِ الْحَاضِرَةِ وَالْغَائِبَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَاجِزٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ النَّوْعَيْنِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمَا - وَهُوَ الرِّبْحُ - فَيَصِيرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَالْآذِنِ لِصَاحِبِهِ فِي ذَلِكَ دَلَالَةً. وَلِأَنَّ الْوَكَالَةَ الَّتِي تَتَضَمَّنُهَا الشَّرِكَةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ، وَلِهَذَا صَحَّتْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ جِنْسِ الْمُشْتَرَى وَصِفَتِهِ. وَفِي الْوَكَالَةِ الْعَامَّةِ: لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: اعْمَلْ بِرَأْيِك؛ كَانَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ.

(وَكَذَلِكَ) لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَضَعَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ لَجَازَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ. فَإِذَا وَجَدَ مَنْ يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ أَجْرٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

(وَكَذَلِكَ) لَهُ أَنْ يُودِعَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحْفَظُ مَالَ الشَّرِكَةِ. فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يُودِعَ لِيُحْفَظَ الْمُودَعُ بِغَيْرِ أَجْرٍ أَوْلَى. وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِأَجْرٍ مَضْمُونٍ فِي الذِّمَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>