للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْمُفَاوَضَةِ.

قَالَ: (وَإِذَا اقْتَسَمَا ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ يَقْتَسِمُونَ)؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَةُ رَأْسِ الْمَالِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ لِإِظْهَارِ الرِّبْحِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَصِلْ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ رَأْسِ مَالِهِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ لِيَقْتَسِمَاهُ بَيْنَهُمَا

قَالَ: (وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: بِعْتُك نَصِفَ مَالِي هَذَا بِنِصْفِ مَالِك هَذَا، فَرَضِيَ بِذَلِكَ، وَتَقَابَضَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الْمُخْتَلَطِ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمَا عَقْدُ صَرْفٍ، وَقَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ؛ فَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ. فَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمَ وَرَأْسُ مَالِ الْآخَرِ عُرُوضًا، فَبَاعَهُ نَصِفَ الْعُرُوضِ بِنِصْفِ الدَّرَاهِمِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ اشْتَرَكَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ، أَوْ شَرِكَةَ عَنَانٍ: جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَقْدِ صَارَتْ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسَ مَالِهِمَا، ثُمَّ يَثْبُتُ فِي الشَّرِكَةِ حُكْمُ الْعُرُوضِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بَيْعًا، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ بَيْعًا مَا لَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ قَصْدًا - كَالشُّرْبِ. وَالطَّرِيقِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمَنْقُولَاتُ فِي الْوَقْفِ يَثْبُتُ فِيهَا حُكْمُ الْوَقْفِ تَبَعًا، إذَا وَقَفَ قَرْيَةً بِمَا فِيهَا مِنْ الدَّوَابِّ وَالْمَمَالِيكِ وَآلَاتِ الْحِرَاثَةِ. وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْوَقْفِ فِي الْمَنْقُولَاتِ قَصْدًا، فَهَذَا مِثْلُهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الشِّرَاءَ وَالْحِلَّ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فِي أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالٍ فِي الشَّرِكَةِ.

قَالَ: (وَإِنْ اشْتَرَكَا شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا، فَهُوَ جَائِزٌ)، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمُفَاوَضَةُ عَامَّةً. وَمِثْلُهُ فِي الْوَكَالَةِ لَا يَجُوزُ؛ فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرِ بَيْنِي وَبَيْنَك، لَا يَكُونُ ذَلِكَ صَحِيحًا مَا لَمْ يُعَيَّنْ الْمُشْتَرَى أَوْ يُخَصَّ بِذِكْرِ الْوَقْتِ، أَوْ بِتَسْمِيَةِ الْجِنْسِ فِي الْعُرُوضِ وَالْقَدْرِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، أَوْ بِتَسْمِيَتِهِ الثَّمَنَ وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ إلَى رَأْيِهِ عَلَى الْعُمُومِ. وَفِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ يَجُوزُ ذَلِكَ بِدُونِ التَّخْصِيصِ؛ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمَقْصُودُهُمَا الرِّبْحُ لَا عَيْنُ الْمُشْتَرَى، وَمِثْلُهُ فِي الْوَكَالَةِ يَجُوزُ. أَيْضًا لَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا اشْتَرَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ وَيَقْسِمَ رِبْحَهُ نِصْفَيْنِ. وَكَانَ ذَلِكَ تَفْسِيرًا لِلشَّرِكَةِ، فَأَمَّا فِي الْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ الْمَقْصُودُ عَيْنُ الْمُشْتَرَى، فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْخُصُوصِ فِيهِ لِتَصْحِيحِ الْوَكَالَةِ.

قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ فِي الْخِيَاطَةِ مُفَاوَضَةً، أَوْ خَيَّاطٌ وَقَصَّارٌ، أَوْ شِبْهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، أَوْ الْمُتَّفِقَةِ، حَتَّى إذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا عَمَلًا أَخَذَ الْآخَرُ بِهِ - وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ غَيْرَ ذَلِكَ الْعَمَلِ) -؛ لِأَنَّ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلَ صَاحِبِهِ فِي تَقَبُّلِ الْعَمَلِ لَهُ، وَكَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ؛ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْخُوذًا بِمَا يَقْبَلُهُ الْآخَرُ، وَلَا يَمْتَنِعُ صِحَّةُ التَّقَبُّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>