للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التِّجَارَةِ فِعْلُ أَحَدِهِمَا كَفِعْلِهِمَا، وَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا مُلْزِمٌ لِلْآخَرِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِدَعْوَى الْمُدَّعِي؛ فَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْبَتَّةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآنَ يَحْلِفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَأَيُّهُمَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَمْضَى الْأَمْرَ عَلَيْهِمَا. وَإِنْ ادَّعَى عَلَى ذَلِكَ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْحَاضِرَ عَلَى عَمَلِهِ، فَإِنْ حَلَفَ ثُمَّ قَدِمَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَوْ كَانَا حَاضِرَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُفَاوَضُ هُوَ الَّذِي ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَحَلَّفَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَرَادَ شَرِيكُهُ أَنْ يُحَلِّفَهُ أَيْضًا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا): أَنَّ الْمُفَاوَضَ الْمُدَّعِي يَكُونُ نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَبَعْدَمَا اسْتَحْلَفَ بِخُصُومِهِ الْوَكِيلَ لَا يَسْتَحْلِفُ بِخُصُومَةِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ فِي الِاسْتِحْلَافِ صَحِيحَةٌ. وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْمُفَاوَضُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَائِبًا عَنْ صَاحِبِهِ فِي الْحَلِفِ؛ لِأَنَّ النِّيَابَةَ لَا تُجْرَى فِي الْيَمِينِ. فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَ الْآخَرَ.

(وَالثَّانِي): أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالِاسْتِحْلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ مُفِيدًا فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَلَا يُشْتَغَلُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فَاسْتُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخُصُومَةِ أَحَدِهِمَا؛ فَلَا فَائِدَةَ فِي اسْتِحْلَافِهِ لِخُصُومَةِ الْآخَرِ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا حَلَفَ فِي حَادِثَةٍ لِخُصُومَةِ إنْسَانٍ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْيَمِينِ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لِخُصُومَةِ الْآخَرِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِمَا وَحَلَفَ أَحَدُهُمَا؛ كَانَ اسْتِحْلَافُ الْآخَرِ مُفِيدًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ لَا يُبَالِي مِنْ الْيَمِينِ، وَالْآخَرُ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ النَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْجُرْأَةِ عَلَى الْيَمِينِ. فَلِهَذَا كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْآخَرَ بَعْدَ مَا حَلَفَ أَحَدُهُمَا لِرَجَاءِ نُكُولِهِ.

قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ جِرَاحَةً خَطَأً لَهَا أَرْشٌ وَاسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ، فَحَلَفَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ شَرِيكَهُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا خُصُومَةَ لَهُ مَعَ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ. فَأَمَّا مَا يَلْزَمُ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ الْآخَرُ كَفِيلًا بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ الْجِنَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِمُعَايَنَةِ السَّبَبِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّرِيكِ شَيْءٌ مِنْ مُوجَبِهِ، وَلَا خُصُومَةَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَهُ. فَذَلِكَ لَا يُحَلِّفُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَإِقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى شَرِيكِهِ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ وَالْجُعْلُ فِي الْخُلْعِ، وَالصُّلْحُ مِنْ جِنَايَةِ الْعَمْدِ إذَا ادَّعَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَحَلِفُهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْآخَرُ؛ لِمَا بَيَّنَّا.

قَالَ: (وَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَحَد الْمُتَفَاوِضَيْنِ مَالًا مِنْ كَفَالَةٍ، وَحَوَّلَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ شَرِيكَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَفِي قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا كَفَلَ بِمَالٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ شَرِيكَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>