للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧].

(وَعَنْ) هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْغُرَابِ فَقَالَ: وَمَنْ يَأْكُلُهُ بَعْدَ مَا سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسِقًا» يُرِيدُ بِهِ الْحَدِيثَ الْمَعْرُوفَ «خَمْسُ فَوَاسِقَ يَقْتُلُهُمْ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ» وَذَكَرَ الْغُرَابَ مِنْ جُمْلَتِهَا، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ، وَأَمَّا الْغُرَابُ الزَّرْعِيُّ الَّذِي يَلْتَقِطُ الْحَبَّ فَهُوَ طَيِّبٌ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَخْبَثٍ طَبْعًا، وَقَدْ يَأْلَفُ الْآدَمِيَّ كَالْحَمَامِ فَهُوَ وَالْعَقْعَقُ سَوَاءٌ، وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْعَقْعَقِ، فَإِنْ كَانَ الْغُرَابُ بِحَيْثُ يَخْلِطُ فَيَأْكُلُ الْجِيَفَ تَارَةً وَالْحَبَّ تَارَةً فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُوجِبُ لِلْحِلِّ وَالْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ.

(وَعَنْ) أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى قِيَاسِ الدَّجَاجَةِ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا، وَقَدْ أَكَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَهِيَ قَدْ تَخْلِطُ أَيْضًا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ فَلَحْمُهُ يَنْبُتُ مِنْ الْحَرَامِ فَيَكُونُ خَبِيثًا عَادَةً، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيمَا يَخْلِطُ.

وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ أَنْ تُنْخَعَ الشَّاةُ إذَا ذُبِحَتْ» وَبِهِ نَأْخُذُ، وَمَعْنَاهُ أَنْ يُبَالِغَ الذَّابِحُ بِالذَّبْحِ حَتَّى يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ، وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ، وَفِي هَذَا زِيَادَةُ إيلَامٍ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَالشَّرْعُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّبْغَانِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأُحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأُحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَلْيَحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» وَالنَّخْعُ لَيْسَ مِنْ الْإِحْسَانِ فِي شَيْءٍ، وَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَرُوِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - حَتَّى قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا تَجُرُّوا الْعَجْمَاءَ إلَى مَذْبَحِهَا بِرِجْلِهَا، وَأَحِدُّوا الشَّفْرَةَ، وَأَسْرِعُوا الْمَمَرَّ عَلَى الْأَوْدَاجِ، وَلَا تَحُفُّوا.

(وَعَنْ) مَكْحُولٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ذَبَحَ لَمْ يَنْخَعْ، وَلَمْ يَبْدُ بِسَلْخٍ حَتَّى تَبْرُدَ الشَّاةُ» وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْمَرْءِ أَنْ يَذْبَحَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ تَرْكِ التَّرَحُّمِ فِي شَيْءٍ، بِخِلَافِ مَا قَالَهُ جُهَّالُ الْمُتَقَشِّفَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلذَّابِحِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ.

(وَعَنْ) عِكْرِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلٍ قَدْ أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يُحِدُّ الشَّفْرَةَ، وَهِيَ مُلَاحِظَةٌ فَقَالَ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرَدْتَ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ» وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُحِدَّ الشَّفْرَةَ بَيْنَ يَدَيْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ إيلَامٍ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، وَضَرَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالدُّرَّةِ حَتَّى هَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>