للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَخَاصَمَ إلَى الْقَاضِي: فَذَلِكَ جَائِزٌ، إذَا كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا)؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ قَابِضٌ، وَقَدْ أَثْبَتَ عَقْدَهُ بِالْبَيِّنَةِ؛ فَيَجْعَلُ قَبْضهُ صَادِرًا عَنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ حُكْمُ الْعَقْدِ، أَوْ مُتَمِّمٌ لِلْعَقْدِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَالثَّابِتُ مِنْ الْعَقْدِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً، فَكَمَا يُجْعَلُ الْقَبْضُ هُنَاكَ مُتَمِّمًا لِلسَّبَبِ، فَكَذَلِكَ هُنَا، وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ الْوَاهِبُ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَشَهَادَتهُمَا بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ لِلْوَارِثِ، فَلَا يَكُونُ إثْبَاتُ الْعَقْدِ عَلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ مَوْتِهِ سَبَبًا لِلْمِلْكِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَا دَامَ الْوَاهِبُ حَيًّا، إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ بِإِذْنِهِ تَتِمُّ الْهِبَةُ، وَيَمْلِكُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ فِي حَيَاةِ الْوَاهِبِ، أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ.

قَالَ: (رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ عَبْدًا، وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَاهُ مِنْ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْهِبَةِ وَالْقَبْض: أُبْطِلَتْ الْهِبَةُ)؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِنْ الْمَالِكِ، وَالشِّرَاءُ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ؛ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ وَهَبَ، وَسَلَّمَ مَا لَا يُمَلَّكُ، قَالَ: (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الشِّرَاءِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِبَةِ: فَهُوَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَالِاسْتِحْقَاقُ لَهُ ثَابِتٌ، بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْهِبَةِ مَا يُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ شِرَاءَهُ مُحْتَمَلٌ؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الْهِبَةِ ثَبَتَ اسْتِحْقَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْهِبَةِ لَا يَثْبُتُ، وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَّخَ شُهُود الشِّرَاءِ شَهْرًا أَوْ سَنَةً؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مُعَايَنٌ، وَهُوَ دَلِيلٌ سَبَقَ عَقْدُهُ؛ فَإِنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّأْرِيخُ فِي حَقِّ الْآخَرِ مَشْهُودٌ بِهِ، وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ، فَأَقَامَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ، وَقَبَضَهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَ الْهِبَةِ وَقَبَضَهُ: فَالْعَبْدُ لِصَاحِبِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ مِلْكِهِ أَقْوَى، مِنْ حَيْثُ إنَّ الشِّرَاءَ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ، وَأَنَّهُ عَقْدُ ضَمَانٍ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَعِنْدَ الْمُعَاوَضَةِ يَتَرَجَّحُ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ فَإِنَّ الضَّعِيفَ مَدْفُوعٌ بِالْقَوِيِّ، وَلَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْمُقَابِلَةِ بِالْقَوِيِّ.

قَالَ: (رَجُلٌ وَهَبَ لِرَجُلٍ مَتَاعًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا كُنْت اسْتَوْدَعْتُك فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَتَاعِ مَعَ الْيَمِينِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ يَدَّعِي تَمَلُّكَ الْعَيْنِ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ، وَهُوَ مُنْكِرٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ السَّبَبَ بِالْبَيِّنَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ، فَإِذَا حَلَفَ أَخَذَ الْمَتَاعَ. وَإِنْ وَجَدَهُ هَالِكًا: فَإِنْ كَانَ قَدْ هَلَكَ بَعْدَ مَا ادَّعَى الْمُسْتَوْدَعُ الْهِبَةَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى التَّمَلُّكِ بِالْهِبَةِ يَكُونُ جَاحِدًا لِلْوَدِيعَةِ، وَالْمُودَعُ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِالْجُحُودِ؛ وَلِأَنَّهُ صَارَ مُفَوِّتًا لِلْيَدِ الْحَكِيمَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُودَعِ حِينَ زَعَمَ أَنَّهُ قَابِضٌ لِنَفْسِهِ مُتَمَلِّكٌ فَكَانَ ضَامِنًا الْقِيمَةَ؛ لِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>