للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ مِلْكِهِ قَبْلَ تَنْفِيذِ الصَّدَقَةِ فِيهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - وَلِهَذَا يُفْتَى بِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ، وَمِثْلُهُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْث، فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا، وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا: أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَزِمَهُ مِنْ التَّصَدُّقِ فِي عَيْنِ مَالٍ بِالْتِزَامِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ - وَهُوَ الزَّكَاةُ - وَالْوَاجِبُ هُنَاكَ يَتَأَدَّى بِالْقِيمَةِ، كَمَا يَتَأَدَّى بِالْعَيْنِ، فَهَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي حَقِّ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَغِنَاؤُهُ، وَسَدُّ خَلَّتِهِ.

قَالَ: (فَإِنْ قَالَ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ مِنْ الصَّامِتِ، وَأَمْوَالِ السَّوَائِمِ، وَأَمْوَالِ الزَّكَاةِ، وَلَا يَتَصَدَّقُ بِالْعَقَارِ، وَالرَّقِيقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - اسْتِحْسَانًا -)، وَفِي الْقِيَاسِ: عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ فِي قَوْلِهِ: " جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ " يَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ قِيَاسًا، وَاسْتِحْسَانًا. وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ، وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ: مَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ. وَجْهُ الْقِيَاسِ: أَنَّ اسْمَ الْمِلْكِ حَقِيقَةٌ لِكُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَاسْم الْمَالِ لِكُلِّ مَا يَتَمَوَّلُهُ الْإِنْسَانُ، وَمَالُ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ، وَغَيْر مَالِ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ يَسْتَوِي فِيهِ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ اللَّفْظ مَعْمُولٌ بِهِ فِي حَقِيقَتِهِ - مَا أَمْكَنَ - وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ، فَقَالَ: إنَّمَا ذَكَرَ الْمَالَ وَالْمِلْكَ عِنْدَ ذِكْرِ الصَّدَقَةِ، فَيَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَوْجَبَ الْحَقَّ فِي الْمَالِ؛ وَلِذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ، فَكَذَلِكَ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ - بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ -؛ وَهَذَا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ - شَرْعًا - إنَّمَا تَكُونُ عَنْ غِنًى.

«قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى». وَالْغَنِيّ - شَرْعًا - يَخْتَصُّ بِمَالِ الزَّكَاةِ، حَتَّى لَا يَكُونَ مَالِكُ الْعَقَارِ وَالرَّقِيقِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ غَنِيًّا شَرْعًا؛ فَلِهَذَا الدَّلِيلِ تَرَكْنَا اعْتِبَارَ حَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ التَّصَدُّقَ بِمَالِ الزَّكَاةِ وَبِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ خِلَافُهُ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي مَالِ الزَّكَاةِ، وَغَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ، ثُمَّ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمَا أَمْسَكَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ مُقَدَّمَةٌ؛ إذْ لَوْ لَمْ يُمْسِكْ احْتَاجَ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ، وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ، ثُمَّ يَسْأَلَ النَّاسَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَار مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ عِيَالِهِ، وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ. وَقِيلَ: إنْ كَانَ مُحْتَرِفًا: فَإِنَّمَا يُمْسِكُ قُوتَ يَوْمٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ غَلَّةٍ: أَمْسَكَ قُوتَ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ ضَيَاعٍ: أَمْسَكَ قُوتَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ يَدَ الدِّهْقَانِ إلَى مَا يُنْفِقُ إنَّمَا تَتَّصِلُ سَنَةً فَسَنَةً، وَيَدُ صَاحِبِ الْغَلَّةِ شَهْرًا فَشَهْرًا، وَيَدُ الْعَامِلِ يَوْمًا فَيَوْمًا.

قَالَ: (رَجُلٌ وَهَبَ لِلْمَسَاكِينِ هِبَةً، وَدَفَعَهَا إلَيْهِمْ لَمْ يَرْجِعْ فِيهَا - اسْتِحْسَانًا - وَفِي الْقِيَاسِ: يَرْجِعُ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ، وَفِي أَسْبَابِ الْمِلْكِ: الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>