للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطَلَ التَّعْوِيضُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعْوِيضُهُ صَحِيحٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ إلَّا أَنَّ عِنْد أَبِي يُوسُفَ يَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنْ ثُلُثِهِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ عَلَى وَجْهِ التَّبَرُّعِ فَإِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الْوَاهِبُ، وَقَدْ عَوَّضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ هِبَتِهِ، ثُمَّ قُتِلَ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ فَإِنَّهُ يَرُدُّ هِبَتَهُ إلَى وَرَثَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ تَصَرُّفًا مِنْهُ فِي مَالِهِ، وَإِذَا كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ بَيْعًا يَبْطُل عِنْدَهُ إذَا مَاتَ فَتَصَرُّفه هِبَةٌ أَوْلَى، فَتُرَدُّ هِبَتُهُ إلَى وَرَثَتِهِ، وَيُرَدُّ عِوَضُهُ إلَى صَاحِبِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي مَالِ الْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ الْمَوْهُوب لِلْمَوْهُوبِ لَهُ، فَلَا يُسَلِّمُ الْعِوَضُ لَهُ أَيْضًا، وَلَكِنْ إنْ كَانَ قَائِمًا رَدَّهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا فَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ دَيْنًا فِي مَالِهِ - سَوَاءٌ كَانَ الْآخَرُ عَلِمَ بِارْتِدَادِهِ، أَوْ لَمْ يُعْلَمْ -؛ لِأَنَّ حُكْمَ تَصَرُّفِ الْمُرْتَدِّ لَا يَخْتَلِفُ بِعِلْمِ مَنْ عَامَلَهُ بِرِدَّتِهِ، وَجَهِلَهُ؛ فَإِنَّ التَّوَقُّفَ لَحِقَ الْوَرَثَة، وَحَقُّهُمْ ثَابِتٌ فِي الْحَالَيْنِ.

قَالَ: وَإِذَا وَهَبَ الْمُرْتَدُّ لِلنَّصْرَانِيِّ هِبَةً، أَوْ النَّصْرَانِيُّ لِلْمُرْتَدِّ عَلَى أَنَّ عَوَّضَهُ عَنْهَا خَمْرًا: فَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفِ فِي الْخَمْرِ كَالْمُسْلِمِ؛ فَإِنَّهُ مُجْبَرٌ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْإِسْلَامِ غَيْر مُقِرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ فَيَبْطُلُ تَصَرُّفُهُ فِي الْخَمْرِ تَعْوِيضًا عَنْ الْهِبَةِ كَمَا يَبْطُلُ مِنْ الْمُسْلِمِ.

قَالَ: وَإِذَا وَهَبَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَن هِبَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ وَهَبَهَا لَهُ مُسْلِمٌ فَقَبَضَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ عَادَ مُسْتَأْمَنًا: فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ، وَبَقَاء الْعَيْنِ عَلَى حَالِهِ؛ فَإِنَّ الْمُسْتَأْمَنَ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِنَا صُورَةً فَهُوَ فِي أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمًا، فَلَا يَتَبَدَّلُ مِلْكُهُ بِالرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَإِنْ سُبِيَ وَأُخِذَتْ الْهِبَةُ مِنْهُ: لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِزَوَالِ الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ؛ فَإِنَّ نَفْسَهُ بِالسَّبْيِ قَدْ تَبَدَّلَتْ، وَخَرَجَ هُوَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَالْمَوْهُوبُ صَارَ مِلْكًا لِلسَّابِي - بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ أَمْوَالِهِ - إذَا أَخَذَهُ مَعَهُ، فَلَا سَبِيلَ لِلْوَاهِبِ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ مَا بَقِيَ، وَوَقَعَ الظُّهُورُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَهَذَا مَالٌ أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَا يَأْخُذهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ حَضَرَ قَبِلَ الْقِسْمَةِ.

قَالَ: وَإِنْ وَقَعَ الْحَرْبِيُّ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ، وَصَلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ إلَيْهِ - بِشِرَاءٍ، أَوْ غَيْرِهِ - لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ حَادِثٌ لَهُ، وَحَقُّ الْوَاهِبِ كَانَ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالْهِبَةِ، فَلَا يَثْبُتُ فِي مِلْكٍ حَدَثَ بِسَبَبِ آخَرَ، وَصَارَ اخْتِلَافُ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ.

قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْحَرْبِيُّ هُوَ الْوَاهِبُ فَسُبِيَ وَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ: لَمْ يَكُنْ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ تَبَدَّلَتْ بِالرِّقِّ؛ وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ؛ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ حَيَاةٌ، وَالرِّقّ تَلَفٌ، وَبِمَوْتِ الْوَاهِبِ يَبْطُلُ الْحَقُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>