للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ فِعْلٍ إذَا عُلِّقَ بِهِ الْحُكْمُ يَصِيرُ ذَلِكَ الْفِعْلُ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ عِلَّةً إذَا كَانَ صَالِحًا لَهُ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَإِذَا كَانَتْ الثَّمَنِيَّةُ وَالطَّعْمُ يُنْبِئَانِ عَنْ شِدَّةِ الْحَاجَةِ فَلَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا عِلَّةً لِلْحُرْمَةِ وَاَلَّذِي قَالَ: إنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ نَصَّ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ قُلْنَا قَدْ نَصَّ عَلَى الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى الْبَعْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ وَاحِدَةً وَذَلِكَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ ثُمَّ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ فِي الْقَدْرِ كَالصَّاعِ وَالْقَفِيزِ وَنَحْوِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي النُّقُودِ الثَّمَنِيَّةَ وَفِي سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الطَّعْمُ لَمْ يَسْتَقِمْ عَطْفُ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ إذْ لَا مُوَافَقَةَ بَيْنَ الثَّمَنِيِّةِ وَالطَّعْمِ وَاَلَّذِي قَالَ: الْقَدْرُ عِلَّةٌ لِلْخَلَاصِ لَا كَذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ أَصْلٌ فَحَيْثُ مُفْسِدٌ إنَّمَا يَفْسُدُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ لِذَلِكَ فَإِمَّا جَوَازٌ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُخَلِّصِ وَلَئِنْ كَانَ هَذَا مُخَلِّصًا فَهُوَ مُخَلِّصٌ فِي حَالَةِ التَّسَاوِي

وَعِلَّةُ الرِّبَا فِي حَالَةِ الْفَضْلِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ يَتَضَمَّنُ حُكْمَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ كَالنِّكَاحِ يُثْبِتُ الْمَحَلَّ لِلْمَنْكُوحَةِ وَالْحُرْمَةَ فِي أُمِّهَا وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْقَدْرَ مُخَلِّصًا لِأَنَّ الْخَلَاصَ عَنْ الرِّبَا بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْقَدْرِ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ فَكَذَلِكَ الْوُقُوعُ فِي الرِّبَا بِالْفَضْلِ عَلَى الْقَدْرِ وَذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَرُبَّمَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ إنَّ الْحَفْنَةَ مُقَدَّرَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهَا إلَّا بِضَمِّ أَمْثَالِهَا إلَيْهَا وَلَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِقْدَارًا كَالصُّبْرَةِ وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ فَإِذَا ضُمَّ إلَى الْحَفْنَةِ أَمْثَالُهَا وَكِيلَتْ يَصِيرُ مِقْدَارُ الْقَفِيزِ مَعْلُومًا لَا مِقْدَارَ الْحَفْنَةِ بِخِلَافِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهَا إذَا فُرِّقَتْ أَجْزَاءً وَكِيلَتْ يَصِيرُ مِقْدَارُ الصُّبْرَةِ مَعْلُومًا

فَأَمَّا عِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ إمَّا الْجِنْسُ أَوْ الْقَدْرُ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ -: «وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» فَقَدْ أُلْغِيَ رِبَا النَّسَاءِ بَعْدَ انْعِدَامِ الْجِنْسِيَّةِ لِبَقَاءِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُخَالِفُنَا فِيمَا هُوَ الْعِلَّةُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَإِنَّمَا يُخَالِفُنَا فِي الْجِنْسِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْجِنْسِيَّةَ شَرْطٌ لَا عِلَّةٌ وَسَنُبَيِّنُ هَذَا الْفَضْلَ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أَسْلِمْ مَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ وَأَسْلِمْ مَا يُوزَنُ فِيمَا يُكَالُ وَلَا تُسْلِمْ بِالْوَزْنِ فِيمَا يُوزَنُ وَلَا مَا يُكَالُ فِيمَا يُكَالُ وَإِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ نَسِيئَةً وَإِنْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِي نَسِيئَتِهِ وَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُهُ: أَسْلِمْ مَا يُكَالُ فِيمَا يُوزَنُ غَيْرُ مَجْرِيٍّ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ الْمُرَادُ إذَا كَانَ الْمَوْزُونُ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُسْلَمًا فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>