للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ لَا يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الذَّرْعِ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي جُمْلَةِ الشَّرَائِطِ تَعْجِيلَ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّا عَدَّدْنَا الشَّرَائِطَ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهَا فِي الْعَقْدِ وَتَعْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ شَرْطُ بَقَاءِ الْعَقْدِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ صَحِيحًا فَإِنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا لَازِمٌ قَبْلَ تَعْجِيلِ رَأْسِ الْمَالِ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ مِنْ جُمْلَةِ الشَّرَائِطِ

قَالَ: (وَإِذَا شَرَطَ طَعَامَ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ أَرْضٍ خَاصَّةٍ لَا يَبْقَى طَعَامُهَا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «زَيْدَ بْنَ شُعْبَةَ أَسْلَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّمْرِ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْك فِي تَمْرِ حَائِطِ فُلَانٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَّا حَائِطُ فُلَانٍ فَلَا أُسْلِمُ إلَّا فِي تَمْرٍ جَيِّدٍ» وَفِي مِثْلِهِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَذْهَبَ اللَّهُ ثَمَرَتَهُ بِمَ يَسْتَحِلُّ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ لَا تُسَلِّفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ قُدْرَةَ الْعَاقِدِ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَلَا يُعْلَمُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ إلَّا بِوُجُودِ الثِّمَارِ فِي تِلْكَ النَّخْلَةِ أَوْ الْحَائِطِ الَّذِي عَيَّنَهُ وَوُجُودُ ذَلِكَ مَوْهُومٌ وَبِالْمَوْهُومِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ إذَا عَيَّنَ أَرْضًا لَا يَبْقَى طَعَامُهَا فِي أَيْدِي النَّاسِ فَقُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ مَوْهُومٌ

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ وَبَعْضَ مَا أَسْلَمَ فِيهِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ عِنْدَنَا) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى قَالَ: (وَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ رَأْسِ مَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ وَيَسْتَرِدُّ مَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِك» فَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَأْخُذْ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ شَرْعًا؛ وَلِأَنَّهُ حِينَ أَخَذَ بَعْضَ رَأْسِ الْمَالِ فَقَدْ اخْتَارَ فَسْخَ الْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ فِي الْكُلِّ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ أَخْذَ رَأْسِ الْمَالِ إقَالَةٌ وَلَوْ أَقَالَهُ فِي الْكُلِّ جَازَ فَلِذَلِكَ إذَا أَقَالَهُ فِي الْبَعْضِ يَجُوزُ أَيْضًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ آخَرَ سِوَى رَأْسِ الْمَالِ وَالْمُسْلَمِ فِيهِ وَأَنَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَا أَخَذَ غَيْرَ رَأْسِ الْمَالِ وَغَيْرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ الِاسْتِبْدَالِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ وَكَانَ يَكْفِيه أَنْ يَقُولَ جَائِزٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا اللَّفْظَ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ يَكُونُ عَادَةً وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ يَنْدَمَ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثَرَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَقَالَهُ فِي الْكُلِّ فَاتَ مَقْصُودُ رَبِّ السَّلَمِ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>