للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَائِزٌ غَيْرُ لَازِمٍ فَبِذِكْرِ الْأَجَلِ فِيهِ لَا يَصِيرُ لَازِمًا لِعَقْدِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَهَذَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَجَلِ تَيَسَّرَ فِيهِ وَتَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الِاسْتِصْنَاعُ بِذِكْرِ الْأَجَلِ فِيهِ يَصِيرُ سَلَمًا لَصَارَ السَّلَمُ بِحَذْفِ الْأَجَلِ مِنْهُ اسْتِصْنَاعًا وَلَوْ كَانَ هَذَا سَلَّمَا فَاسِدًا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ صَنْعَةَ صَانِعٍ بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ هَذَا مَبِيعُ دَيْنٍ وَالْمَبِيعُ الدَّيْنُ لَا يَكُونُ إلَّا سَلَمًا كَمَا لَوْ ذَكَرَ لَفْظَةَ السَّلَمِ وَبَيَانُهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُسْتَصْنَعَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ إلَّا فِي الدُّيُونِ فَلَمَّا ثَبَتَ فِيهِ الْأَجَلُ هُنَا عَرَفْنَا أَنَّهُ مَبِيعُ دَيْنٍ فَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَبِهِ يَخْتَلِفُ الْعَقْدُ لَا بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَ بَيْعًا

وَلَوْ قَالَ: بِسُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ شَهْرًا كَانَتْ إجَارَةً فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ ثُمَّ السَّلَمُ أَقْرَبُ إلَى الْجَوَازِ مِنْ الِاسْتِصْنَاعِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسْتَحْسِنٌ وَلَكِنَّ الْآثَارَ فِي السَّلَمِ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ جَائِزٌ فِيمَا لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ وَفِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيمَا قَصَدَاهُ السَّلَمُ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهُ سَلَمًا بِأَنْ لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ أَجَلًا فَحِينَئِذٍ جُعِلَ اسْتِصْنَاعًا فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ سَلَمًا بِأَنْ ذَكَرَ الْأَجَلَ يُجْعَلُ سَلَمًا وَلِأَنَّ الْأَجَلَ مُؤَخَّرٌ لِلْمُطَالَبَةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ وَاللُّزُومُ فِي السَّلَمِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ فَثُبُوتُ الْأَجَلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سَلَمٌ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ وَصْفِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ بِهِ مَفْرُوغًا عَنْهُ لَا مِنْ صَنْعَتِهِ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ سَلَمٌ شُرِطَ فِيهِ صَنْعَةُ صَانِعٍ بِعَيْنِهِ وَمَا قَالَا بِأَنَّ السَّلَمَ بِحَذْفِ الْأَجَلِ لَا يَصِيرُ اسْتِصْنَاعًا يَشْكُلُ بِالْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ نِكَاحًا بِحَذْفِ الْمُدَّةِ عَنْهُ ثُمَّ النِّكَاحُ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ فِيهِ يَصِيرُ مُتْعَةً وَهُوَ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً شَهْرًا وَهَذَا إذَا كَانَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ فَهَذَا لَا يَكُونُ سَلَمًا لِأَنَّ ذِكْرَ الْمُدَّةِ لِلْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةً يُمْكِنُهُ الْفَرَاغُ فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ وَيُحْكَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ. قَالَ: إنْ كَانَ ذِكْرُ الْمُدَّةِ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ سَلَمًا وَإِنْ كَانَ الصَّانِعُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَ الْمُدَّةَ فَهُوَ سَلَمٌ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ وَقِيلَ إنَّ ذِكْرَ أَدْنَى مُدَّةٍ يُتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَلَمٌ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَعْمَالِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ

قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي اللَّبَنِ فِي جُبْنِهِ وَزْنًا أَوْ كَيْلًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهُ يُكَالُ تَارَةً وَيُوزَنُ أُخْرَى فَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>