للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» فَرَجَعَ ابْنُ مَسْعُودٍ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُ الْحَقَّ فِي مَقَالَتِهِ، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: عَالِمُ الْكُوفَةِ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى عَالِمِ الْمَدِينَةِ يُرَادُ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

، وَقَدْ نُقِلَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ يَقُولُ سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الدَّرَاهِمِ تَكُونُ مَعِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي فَأَشْتَرِي بِهَا دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِي، وَأَهْضِمُ مِنْهَا قَالَ: لَا، وَلَكِنْ بِعْ دَرَاهِمَك بِدَنَانِيرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بِالدَّنَانِيرِ دَرَاهِمَ تُنْفَقُ فِي حَاجَتِك، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِيَادَ وَالزُّيُوفَ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَحَرُمَ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ هُنَا مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ»، فَلَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا.

وَعَنْ الْقَاسِمِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ أَكْرَيْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إبِلًا بِدَنَانِيرَ فَأَتَيْته أَتَقَاضَاهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ دَرَاهِمُ فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ: انْطَلِقْ مَعَهُ إلَى السُّوقِ فَإِذَا قَامَتْ عَلَى سِعْرٍ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ، وَإِلَّا فَاشْتَرِ لَهُ دَنَانِيرَ فَأَعْطِهَا إيَّاهُ فَقُلْت: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيَصْلُحُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهَذَا، إنَّكَ وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ اسْتِبْدَالِ الْأَجْرِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْآخَرِ كَالثَّمَنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اسْتِبْدَالِ الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ فَلِهَذَا جَوَّزَ ابْنُ عُمَرَ الِاسْتِبْدَالَ بِالْأَجْرِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَرْضَى بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَلَكِنْ لَمَّا أَشْكَلَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ سَأَلَهُ بِقَوْلِهِ: أَيَصْلُحُ هَذَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ إنَّك وُلِدْت وَأَنْتَ صَغِيرٌ؛ أَيْ جَاهِلٌ لَا تَعْلَمُ حَتَّى تُعَلَّمَ. وَهَكَذَا حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَإِنَّهُ لَا يَعْلَمُ حَتَّى يُعَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَازَحَهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَكَنَّى بِالصِّغَرِ عَنْ الْجَهْلِ، ثُمَّ ذَلِكَ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّبَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ «إذَا اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَاشْتَرُوهُ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ» يَعْنِي بِذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا فَقَالَ عُبَادَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَشْهَدُ إنِّي سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ: لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِمَّنْ يُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَدِيثِ؛ فَلِهَذَا قَالَ مَا قَالَ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْبِتَهُ فِي رِوَايَتِهِ، وَمُعَاوِيَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ الرِّبَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: " أَحَادِيثَ لَمْ نَسْمَعْهَا " مَا ذَكَرَهُ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ اشْتَرَيْتُمْ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَأَكَّدَ عُبَادَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رِوَايَتَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ " أَشْهَدُ " بِمَعْنَى أَحْلِفُ، قَالَ: " لَأُحَدِّثَنَّ بِهِ "؛ لِأَنِّي أَتَيَقَّنُ بِسَمَاعِهِ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>