للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: الْعَبْدُ يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ الضَّمَانِ بِالِاسْتِقْرَاضِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ مِنْ الْمُرْتَدِّ يَصِحُّ الِالْتِزَامُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ثُمَّ حَقُّهُ فِي الْمَالِ يُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ؛ وَلِهَذَا يَقْضِي سَائِرَ الدُّيُونِ مِنْ مَالِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا الدَّيْنُ وَمَا أَقْرَضَهُ الْمُرْتَدُّ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبه؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ وَذَلِكَ مُوجَبٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْمُرْتَدِّ وَفِي حَقِّ وَرَثَتِهِ.

وَإِقْرَاضُ الْمُرْتَدَّةِ وَاسْتِقْرَاضُهَا جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ سَائِرُ تَصَرُّفَاتِهَا.

وَلَا يَجُوزُ إقْرَاضُ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ التَّبَرُّعَ.

وَإِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا فَاسْتَهْلَكَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَكَذَا أَطْلَقَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ وَفِي نُسَخِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا اسْتَهْلَكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَتَسْلِيطُ الصَّبِيِّ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ صَحِيحٌ، وَشَرْطُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ فَهِيَ فِي الْقَرْضِ أَظْهَرُ، وَإِنْ أَقْرَضَ عَبْدًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَاسْتَهْلَكَهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِهِ حَتَّى يُعْتَقَ وَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا - وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ - وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ وَإِنْ وَجَدَ الْمُقْرِضُ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ وَاحِدِ مِنْ هَؤُلَاءِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مِلْكِهِ.

وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ وَقَبَضَ فَهُوَ فَاسِدٌ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ وَالْقَدْرِ، وَالنَّسَا حَرَامٌ عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ فَعِنْدَ وُجُودِهِمَا أَوْلَى، وَالْمَقْبُوضُ بِمَنْزِلَةِ الْقَرْضِ حَالٌّ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ دَرَاهِمَهُ بِعَيْنِهَا فَلِلْآخَرِ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ وَاخْتِيَارُ مَحَلِّ قَضَاءِ بَدَلِ الْقَرْضِ إلَى مَنْ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي نُسْخَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ رَدُّهَا بِعَيْنِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الدَّرَاهِمِ تَتَعَيَّنُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَتَعَيَّنُ بِالْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الرَّهْنِ فِي الصَّرْفِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ وَنَقَدَهُ الدَّنَانِيرَ وَأَخَذَ بِالْعَشَرَةِ رَهْنًا يُسَاوِيهَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا فَهُوَ بِمَا فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْبُيُوعِ حُكْمَ الرَّهْنِ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَبَدَلُ الصَّرْفِ فِيهِ مِثْلُهُ ثُمَّ بِقَبْضِ الرَّهْنِ تَثْبُتُ لَهُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَيَصِيرُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مُسْتَوْفِيًا عَيْنَ حَقِّهِ مِنْ مَالِيَّةِ الرَّهْنِ لَا مُسْتَبْدِلًا؛ فَلِهَذَا بَقِيَ عَقْدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>