للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ، فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ حُلِيَّ ذَهَبٍ يَوْمًا بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ مُنْتَفِعٌ بِهِ، لُبْسًا أَوْ اسْتِعْمَالًا، وَالْبَدَلَ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا فِيهِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ مِائَةَ دِينَارٍ بِدِرْهَمٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِنَاءٍ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءُ عَيْنِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْإِعَارَةَ فِي الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ لَا تَتَحَقَّقُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَرْضًا، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ سَيْفًا مُحَلَّى أَوْ مِنْطَقَةً، أَوْ سَرْجًا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ، أَوْ أَقَلَّ؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَذِهِ الْأَعْيَانِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ مُمْكِنٌ، وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْحِلْيَةِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ صَائِغًا يَصُوغُ لَهُ طَوْقَ ذَهَبٍ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَقَالَ: زِدْ فِي هَذَا الذَّهَبِ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِمِلْكِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا كَذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ فِي إقَامَةِ عَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي ذَهَبٍ لَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مُعْتَادٌ فَقَدْ يَقُولُ الصَّائِغُ لِمَنْ يَسْتَعْمِلُهُ: إنَّ ذَهَبَك لَا يَكْفِي لِمَنْ تَطْلُبُهُ، فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ، وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الِاسْتِصْنَاعِ يَجُوزُ فِيمَا فِيهِ التَّعَامُلُ، فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ، فَإِنْ قَالَ: قَدْ زِدْتُ فِيهِ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ، وَقَالَ رَبُّ الطَّوْقِ: إنَّمَا زِدْتَ فِيهِ خَمْسَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْشُوًّا بِوَزْنِ الطَّوْقِ لِيَظْهَرَ بِهِ الصَّادِقُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ مَحْشُوًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الطَّوْقِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِإِنْكَارِهِ الْقَبْضَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى خَمْسِ مَثَاقِيلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الصَّائِغُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَهَبِهِ، وَيَكُونُ الطَّوْقُ لِلصَّائِغِ؛ لِأَنَّ الطَّوْقَ فِي يَدِهِ، وَهُوَ غَيْرُ رَاضٍ بِإِزَالَةِ يَدِهِ عَنْهُ؛ مَا لَمْ يُعْطِهِ عَشَرَةَ مَثَاقِيلَ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِيَمِينِ رَبِّ الطَّوْقِ، فَكَانَ لِلصَّائِغِ أَنْ يُمْسِكَ الطَّوْقَ، وَيَرُدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَهَبِهِ، قَالَ: وَهَذَا لَا يُشْبِهُ الْأَوَّلَ، يُرِيدُ بِهِ مَسْأَلَةَ الْحِرْزِ، فَقَدْ بَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الْخِيَارَ لِصَاحِبِ الْحِرْزِ؛ لِأَنَّ ذَهَبَ التَّمْوِيهِ صَارَ مُسْتَهْلَكًا لَا يَتَخَلَّصُ مِنْ الْحِرْزِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ، فَكَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الْحِرْزِ، وَهُنَا عَيْنُ مَا زَادَ مِنْ الذَّهَبِ قَائِمٌ فِي الطَّوْقِ، فَالصَّائِغُ فِيهِ كَالْبَائِعِ، فَيَكُون لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِهِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ كَمَالُ الْعِوَضِ.

وَإِنْ أَمَرَ الصَّائِغَ أَنْ يَصُوغَ لَهُ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ دِرْهَمٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَأَرَاهُ الْقَدْرَ وَقَالَ: لِتَكُونَ الْفِضَّةُ عَلَيَّ قَرْضًا مِنْ عِنْدِك.

لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لِلصَّائِغِ كُلَّهَا، وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا لَهَا فَيَبْقَى الصَّائِغُ عَامِلًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، ثُمَّ بَائِعًا مِنْهُ الْفِضَّةَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَهُنَاكَ الْمُسْتَقْرِضُ يَصِيرُ قَابِضًا لِلذَّهَبِ يَخْلِطُهُ بِمِلْكِهِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ الصَّائِغُ عَامِلًا لَهُ فِي مِلْكِهِ؛ فَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَاتَمِ يَفْسُدُ أَيْضًا لِعِلَّةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ صَرْفٌ بِالنَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>