للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ بِالدَّنَانِيرِ فَبِالدَّنَانِيرِ، وَكَذَلِكَ السَّيْفُ وَالسِّلَاحُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَسَرَهُ، أَوْ هَشَمَهُ هَشْمًا يُفْسِدُهُ، فَإِنْ كَانَ هَشْمًا لَا يُفْسِدُهُ ضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ لَا يُبَاعُ، وَزْنًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا، حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالِاثْنَيْنِ يَدًا بِيَدٍ فَكَانَ كَالثَّوْبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا، أَوْ الْأَوَانَيْ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ أَنَّ بِالصَّنْعَةِ هُنَاكَ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَوْزُونَةً بِاعْتِبَارِ النَّصِّ فِيهِمَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا سِوَاهُمَا الْعُرْفُ.

وَإِذَا كُسِرَ إنَاءُ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ، وَاسْتَهْلَكَهُ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهُ، فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِهِ عَلَى الَّذِي كَسَرَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّضْمِينِ تَسْلِيمُ الْمَكْسُورِ إلَيْهِ، وَقَدْ فَوَّتَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ.

وَلَوْ غَصَبَ إنَاءَ فِضَّةٍ فَكَسَرَهُ، وَصَاغَهُ شَيْئًا آخَرَ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَأْخُذُهُ، وَلَكِنْ يُضَمِّنُهُ قِيمَةَ الْأَوَّلِ مَصُوغًا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.

وَإِنْ غَصَبَهُ دَرَاهِمَ، أَوْ دَنَانِيرَ فَأَذَابَهَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ مِثْلَ مَا غَصَبَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذَابَةِ مَا أَحْدَثَ فِيهَا صَنْعَةً، وَإِنَّمَا فَوَّتَ الصَّنْعَةَ، وَبِهِ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ كَمَا لَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ، وَلَمْ يَخِطْهُ.

وَإِذَا غَصَبَ دِرْهَمًا فَأَلْقَاهُ فِي دَرَاهِمَ لَهُ فَعَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ خَلْطًا يَتَعَذَّرُ عَلَى صَاحِبِهِ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِهِ، فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا ضَامِنًا لِمِثْلِهِ، وَالْمَخْلُوطُ يَصِيرُ مَمْلُوكًا لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لِصَاحِبِهِ الْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي كُلِّ مَا يُخْلَطُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ.

وَإِنْ غَصَبَ فِضَّةً، وَسَبَكَهَا فِي فِضَّةٍ لَهُ حَتَّى اخْتَلَطَا فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا غَصَبَ.

وَكَذَلِكَ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ لِرَجُلٍ، وَدَرَاهِمَ لِآخَرَ فَخَلَطَهُمَا خَلْطًا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ، أَوْ سَبَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَالِ كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا، وَالْمَخْلُوطُ لَهُ بِالضَّمَانِ، وَعِنْدَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخِيَارُ بَيْنَ التَّضْمِينِ، وَالشَّرِكَةِ.

وَلَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَجَعَلَهَا عُرْوَةً فِي قِلَادَةٍ، فَهَذَا اسْتِهْلَاكٌ، وَعَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهَا وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ مِلْكِهِ حَتَّى يُدْخِلَ بَيْعَ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَقَدْ غَصَبَهَا - مَقْصُودًا - بِنَفْسِهِ، فَإِذَا صَارَ ذَلِكَ مُسْتَهْلَكًا بِفِعْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ الْمِثْلِ، فَهُوَ نَظِيرُ السَّاحَةِ إذَا أَدْخَلَهَا الْغَاصِبُ فِي بِنَائِهِ.

وَإِذَا رَدّ الْغَاصِبُ أَجْوَدَ مِمَّا غَصَبَ، أَوْ أَرْدَأَ مِنْهُ، وَرَضِيَ بِهِ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ صِفَةِ الْجَوْدَةِ حِينَ رَضِيَ بِالْأَرْدَأِ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ بَعْضِ الْقَدْرِ جَازَ؛ فَكَذَلِكَ عَنْ الصِّفَةِ، وَفِي الْأَجْوَدِ أَحْسَنَ الْغَاصِبُ فِي قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ، وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَرْجَحَ، وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِالْأَجْوَدِ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ.

وَإِنْ غَصَبَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِمِائَةٍ دِينَارٍ، وَنَقَدَهُ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ قَائِمَةً فِي مَنْزِلِ الْغَاصِبِ، أَوْ مُسْتَهْلَكَةً، فَهُوَ سَوَاءٌ، وَهُوَ جَائِزٌ، أَمَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ فَلِأَنَّهُ قَابِضٌ لِبَدَلِ الدَّنَانِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>