للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَيْعُ فِيهِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَالشَّرِيكُ يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لَا تَتَأَتَّى مَا لَمْ يُنْقَضْ الْكُلُّ، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى الشَّرِيكِ مَا لَا يَخْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْبِنَاءُ كُلُّهُ لِإِنْسَانٍ فَبَاعَ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ، إلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فِيمَا لَيْسَ بِمَبِيعٍ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ كَمَا لَوْ بَاعَ جِذْعًا فِي سَقْفٍ.

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ دَارًا بِخَادِمٍ فَخَافَ عَلَيْهَا الشَّفِيعَ وَقِيمَةُ الْخَادِمِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبَاعَ الْخَادِمَ بِأَلْفَيْنِ مِنْ رَبِّ الدَّارِ، ثُمَّ اشْتَرَى الدَّارَ بِالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَأْخُذْهَا الشَّفِيعُ، إلَّا بِالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ فَبِذَلِكَ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ إنْ شَاءَ (وَهَذَا نَوْعُ حِيلَةٍ) لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ فِي الْأَخْذِ لِسَبَبِ كَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ، ثُمَّ يُعْطِيَهُ بِهَا خَمْسِينَ دِينَارًا، أَوْ يُعْطِيَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَثَوْبًا لَا يُسَاوِي الْأَلْفَ، فَلَا يَتَمَكَّنُ الشَّفِيعُ مِنْ أَخْذِهَا، إلَّا بِأَلْفَيْنِ وَقَلَّ مَا يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ ثَمَنُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ يَحْتَالُ لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الْجَارِ بِأَنْ يُبَاعَ عُشْرُ الدَّارِ أَوَّلًا بِتِسْعَةِ أَعْشَارِ الثَّمَنِ، ثُمَّ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا بِعُشْرِ الثَّمَنِ، فَلَا يَرْغَبُ الْجَارُ فِي أَخْذِ الْعُشْرِ لِكَثْرَةِ الثَّمَنِ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ شَرِيكًا، وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، وَمِنْ الْحِيلَةِ لِإِبْطَالِ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَدَّقُ الْبَائِعُ بِقِطْعَةٍ مِنْ الدَّارِ صَغِيرَةٍ وَطَرِيقُهَا إلَى بَابِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَيُسَلِّمُهَا إلَيْهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي مِنْهُ بَقِيَّةَ الدَّارِ، فَلَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ شَرِيكٌ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ، أَوْ يَهَبُ مِنْهُ قَدْرَ ذِرَاعٍ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي هُوَ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ الْجَارِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، فَلَا يَجِبُ لِلْجَارِ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يُلَازِقُ الْمَبِيعَ، أَوْ يُوَكَّلُ الشَّفِيعُ بِبَيْعِهَا، فَإِذَا بَاعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شُفْعَةٌ، أَوْ يَبِيعُهَا بِشَرْطِ الْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلشَّفِيعِ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ قَبْلَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ وَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، أَوْ يَبِيعُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَضْمَنَ الشَّفِيعُ الدَّرَكَ، فَإِذَا ضَمِنَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، أَوْ يَقُولُ: الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ أَنَا أَبِيعُهَا مِنْك بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، فَإِذَا رَضِيَ بِذَلِكَ وَسَاوَمَهُ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَالِاشْتِغَالُ بِهَذِهِ الْحِيَلِ لِإِبْطَالِ حَقِّ الشَّفِيعِ لَا بَأْسَ بِهِ أَمَّا قَبْلَ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ، فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَ الْوُجُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُ الْمُشْتَرِي الْإِضْرَارَ بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُ الدَّفْعَ عَنْ مِلْكِ نَفْسِهِ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، فَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ يُكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاحْتِيَالِ لِإِسْقَاطِ الْإِبْرَاءِ وَلِلْمَنْعِ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ، وَالزَّكَاةِ.

وَإِنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَاسْتَحَقَّهُ مُسْتَحِقٌّ وَأَجَازَ الشِّرَاءَ كَانَ لِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ، كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَوْ وُجِدَ الْعَبْدُ حُرًّا، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ بَاطِلًا، وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَالْبَيْعُ بِمُبَادَلَةِ مَالٍ بِمَالٍ فَانْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ يَمْنَعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>