للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْفَ دِرْهَمٍ شَرْطًا، فَلَا شُفْعَةَ لِلشَّفِيعِ فِيهِ مَا لَمْ يَتَقَابَضَا، وَبَعْضُ التَّقَابُضِ يَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ عِنْدَهُ بَيْعٌ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً وَعِنْدَنَا ابْتِدَاءً، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ إذَا قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي، فَهُوَ بَيْعٌ لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْقَبُولِ يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِغَيْرِ شَرْطِ الْعِوَضِ يَمْلِكُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْت بِدَارِي بَيْعًا لِفُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمَاتَ الْمُوصِي، فَقَالَ الْمُوصَى لَهُ: قَدْ قَبِلْت فَلِلشَّفِيعِ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِأَنْ يُوهَبَ لَهُ عَلَى عِوَضٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذَا وَمَا لَوْ بَاشَرَ الْهِبَةَ بِنَفْسِهِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ.

وَإِنْ وَهَبَ نَصِيبًا مِنْ دَارٍ مُسَمًّى بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَتَقَابَضَا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ الشُّفْعَةُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ بِرٌّ ابْتِدَاءً، وَالشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةُ يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَتَأْثِيرُ الشُّيُوعِ كَتَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الشُّيُوعُ فِي الْعِوَضِ فِيمَا يُقْسَمُ.

وَإِنْ وَهَبَ دَارَ الرَّجُلِ عَلَى أَنَّ إبْرَاءَهُ مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَقَبَضَ كَانَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْمَدْيُونَ قَابِضٌ لِلدَّيْنِ بِدَيْنِهِ فَبِقَبْضِ الدَّارِ تَتِمُّ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهُمَا فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ قَوْلُ الَّذِي عُوِّضَ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الدَّارَ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَوْلَ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ قَوْلُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهَا بِشَرْطِ الْإِبْرَاءِ مِمَّا يَدَّعِي فِي هَذِهِ الدَّارِ الْأُخْرَى وَقَبَضَهَا، فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ التَّمَلُّكَ فِيهَا يَتِمُّ بِجِهَةِ الْمُعَارَضَةِ.

وَإِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ دَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ لِرَجُلٍ عَلَى عِوَضٍ مِثْلِ قِيمَتِهَا وَتَقَابَضَا، فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، وَلَا شُفْعَةَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، وَالْعَبْدُ، وَالْمَأْذُونُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْمُضَارِبُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُ الْبَيْعَ يَمْلِكُ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ كُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ هَذَا تَمْلِيكُ مَالٍ بِمَالٍ يُعَادِلُهُ شَرْطًا فَيَصِحُّ مِنْ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ كَمَا لَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، أَوْ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ حَقَّ الصَّبِيِّ فِي الْمَالِ لَا فِي اللَّفْظِ وَتَصَرُّفُ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ مُقَيَّدٌ شَرْعًا بِالْأَحْسَنِ، وَالْأَصْلَحِ لِلْيَتِيمِ، وَذَلِكَ فِي أَنْ يَتَوَفَّرَ عَلَيْهِ الْمَالِيَّةُ لَا فِي لَفْظِ الْمُعَاوَضَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ مِنْهُمَا لَمَّا لَمْ يَجُزْ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، فَإِذَا أُسْقِطَ اعْتِبَارُ اللَّفْظِ قُلْنَا تَوْفِيرُ الْمَالِيَّةِ عَلَيْهِ فِي الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>