للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُوجِبِ تِلْكَ التَّسْمِيَةِ مَعَ بَقَائِهَا وَذَلِكَ فَاسِدٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا فَلَا شَيْءَ لَكَ بِخِلَافِ الْخِيَاطَةِ الرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدِ الْعَقْدَيْنِ مُوجِبٌ فِي الْعَمَلِ الْآخَرِ فَكَانَا عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِبَدَلٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ فِيهَا فَلِهَذَا افْتَرَقَا.

وَإِذَا اشْتَرَى نَعْلًا بِدِرْهَمٍ وَشِرَاكًا مَعَهَا عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا بَيْنَ النَّاسِ وَإِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ يَجُوزُ لِلْعُرْفِ فَالشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا لِلْجَوَازِ أَوْلَى.

وَإِنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ شَرْطٍ فِيهِ إجَارَةٌ؛ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الْبَدَلِ بِمُقَابَلَةِ الْخِيَاطَةِ فَهِيَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي بَيْعٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَهِيَ إعَانَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي الْبَيْعِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَهَذَا وَمَسْأَلَةُ النَّعْلِ فِي الْقِيَاسِ سَوَاءٌ غَيْرُ أَنَّ هُنَاكَ اسْتِحْسَانًا لِلْعُرْفِ وَلَا عُرْفَ هُنَا فَيُؤْخَذُ بِهِ بِالْقِيَاسِ.

وَلَوْ جَاءَ إلَى حَذَّاءٍ بِشِرَاكَيْنِ وَنَعْلَيْنِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُمَا لَهُ بِأَجْرٍ مُسَمًّى جَازَ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الشِّرَاكَيْنِ فَأَرَاهُمَا إيَّاهُ وَرَضِيَهُ، ثُمَّ حَذَاهُمَا لَهُ كَانَ جَائِزًا أَيْضًا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْخُفِّ يُنْعَلُ وَيُرَقَّعُ كَذَلِكَ الْجَوَابُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَطَ فِي الْجُبَّةِ وَالْقَبَاءِ الْبِطَانَةَ وَالْحَشْوَ عَلَى الْعَامِلِ وَالْفَرْقُ بِالْعُرْفِ، ثُمَّ شَرَطَ هُنَا أَنْ يُرِيَهُ الشِّرَاكَ وَالنَّعْلَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إرَاءَتُهُ إيَّاهُ وَلَكِنْ إنْ أَعْلَمَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْقِي بَيْنَهُمَا فِيهِ مُنَازَعَةٌ فَذَلِكَ كَافٍ لِمَا فِي شَرْطِ الْإِرَاءَةِ مِنْ بَعْضِ الْحَرَجِ.

وَلَوْ شَرَطَ عَلَى الْخَيَّاطِ أَنْ يَكُونَ كُمُّ الْقَمِيصِ مِنْ عِنْدِهِ كَانَ فَاسِدًا لِانْعِدَامِ الْعُرْفِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَى الْبَنَّاءِ أَنْ يَكُونَ الْآجُرُّ وَالْجِصُّ مِنْ عِنْدِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ يَشْتَرِطُ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ شَيْئًا مِنْ قِبَلِهِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ إلَّا فِيمَا بَيَّنَّا لِلْعُرْفِ فَإِذَا عَمِلَهُ فَالْعَمَلُ لِصَاحِبِ الْمَتَاعِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ مَعَ قِيمَةِ مَا زَادَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِمَا اشْتَرَاهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ حِينَ صَارَ وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ مِلْكِهِ وَاسْتَوْفَى عَمَلَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ.

وَإِذَا رَدَّ الْقَصَّارُ عَلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ ثَوْبًا غَيْرَهُ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا فَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ، ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْقَصَّارَ جَانٍ فِي تَسْلِيمِ ثَوْبِهِ إلَى الْغَيْرِ، وَالْقَابِضَ فِي قَبْضِهِ وَقَطْعِهِ وَخِيَاطَتِهِ، فَيُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ فَإِنْ ضَمَّنَ الْقَصَّارَ فَقَدْ مَلَكَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ بِالضَّمَانِ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَاطِعَ قَطَعَ ثَوْبَهُ وَخَاطَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَيُعَامَلُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْقَاطِعَ لَمْ يَرْجِعْ الْقَاطِعُ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ عَلَى الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِسَبَبِ عَمَلٍ بَاشَرَهُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْوَجْهَيْنِ يَرْجِعُ عَلَى الْقَصَّارِ بِثَوْبِهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مِلْكَهُ وَقَدْ بَقِيَ فِي يَدِ الْقَصَّارِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>