للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصِيلَ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِثَوْبٍ بِعَيْنِهِ وَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْعَيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ فَإِنَّمَا الْتَزَمَ الْكَفِيلُ تَسْلِيمًا مُسْتَحَقًّا عَلَى الْأَصِيلِ وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ، وَالْكَفَالَةُ بِمِثْلِهِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ فَإِنْ اسْتَكْمَلَ السُّكْنَى وَهَلَكَ الثَّوْبُ عِنْدَ صَاحِبِهِ بَرِئَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ الثَّوْبِ وَقَدْ بَرِئَ الْأَصِيلُ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ بِالْهَلَاكِ فَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَكْفُولُ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ فَهُنَاكَ الْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ بِالْهَلَاكِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ، وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْعَيْنِ وَهُنَا الْمُسْتَأْجِرُ بَرِئَ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّوْبِ حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَلَكِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِهَلَاكِ الثَّوْبِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَالْكَفِيلُ مَا الْتَزَمَ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الدَّارِ شَيْئًا؛ فَلِهَذَا بَرِئَ مِنْ الْكَفَالَةِ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الدَّارَ بِخِدْمَةِ عَبْدٍ شَهْرًا وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْخِدْمَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ فَخِدْمَةُ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يُمْكِنُ إيفَاؤُهَا مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ، وَإِنْ كَفَلَ بِنَفْسِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ نَفْسِ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ يُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُؤَاجِرِ، وَهُوَ مِمَّا تَجْرِي فِيهِ النِّيَابَةُ فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَيُطَالِبُ الْكَفِيلُ بِتَسْلِيمِهِ فَإِذَا مَضَى الشَّهْرُ وَأَقَرَّ الْمَكْفُولُ لَهُ أَنَّهُ كَانَ حَقَّهُ قَبْلَ خِدْمَةِ الشَّهْرِ الْمَاضِي بَرِئَ الْكَفِيلُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ بِتَسْلِيمِ الْعَبْدِ تَسْقُطُ عَنْ الْأَصِيلِ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ وَفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَبَرِئَ الْكَفِيلُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الدَّارِ بَقِيَتْ مُسْتَوْفَاةً وَقَدْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِفَوَاتِ مَا يُقَابِلُهَا قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ فَيَجِبُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى وَرَدُّ الْمَنْفَعَةِ بِرَدِّ أَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ ذَلِكَ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ مَحْمَلًا أَوْ زَامِلَةً إلَى مَكَّةَ، وَكَفَلَ بِهَا رَجُلٌ بِالْحُمُولَةِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ وَتَجْرِي النِّيَابَةُ فِي إيفَائِهِ؛ لِأَنَّ الْحُمُولَةَ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَالْكَفِيلُ يَقْدِرُ عَلَى إيفَائِهِ كَمَا يَقْدِرُ الْأَصِيلُ؛ فَلِهَذَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالْحُمُولَةِ كَمَا يُؤْخَذُ الْمُؤَاجِرُ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْهُ إبِلًا بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا مَتَاعًا مُسَمًّى إلَى بَلَدٍ مَعْلُومٍ وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالْحُمُولَةِ جَازَ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا بِعِيَانِهَا وَكَفَلَ رَجُلٌ بِالْحُمُولَةِ لَمْ تَجُزْ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّ غَيْرَ مَا عُيِّنَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُعَيَّنِ فِي الْإِيفَاءِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَفَلَ بِمَالٍ بِشَرْطِ أَنْ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ الْأَصِيلُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا، أَوْ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا، أَوْ رَجُلًا لِيَخْدُمَهُ وَكَفَلَ لَهُ رَجُلٌ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ عَاجِزٌ عَنْ إيفَاءِ مَا الْتَزَمَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ بِنَفْسِ الْكَفَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>