للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتَحْسَنَ فَقَالَ إنْ كَانَ مُلَبَّنُ ذَلِكَ الْبَلَدِ الْآجُرَّ وَاللَّبِنُ وَاحِدٌ مَعْلُومٌ فَالْمَعْلُومُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَحِينَئِذٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَهُوَ قِيَاسُ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ بَنَّاءً لِيَبْنِيَ لَهُ دَارًا الْأَسَاسُ وَالسَّرَادِيبُ وَالسُّفْلُ وَالْعُلُوُّ بِالطَّاقَاتِ وَالْأَسَاطِينُ وَالْحِيطَانُ عَلَى مِثْلِ مَا يَبْنِي بِالْكُوفَةِ كُلَّ أَلْفِ آجُرَّةٍ وَأَرْبَعَةَ أَكْرَارِ جِصٍّ بِكَذَا فَهُوَ فِي الْقِيَاسِ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْأَسَاسَ وَالسُّفْلَ أَهْوَنُ مِنْ الْعُلُوِّ وَالطَّاقَاتُ أَشَدُّ مِنْ الْحَائِطِ الْمُسْتَطِيلِ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا وَرُبَّمَا تُفْضِي هَذِهِ الْجَهَالَةُ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَالْبَنَّاءُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَا يَعْرِفُ مُرَادَ صَاحِبِ الْبِنَاءِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ (فَقَالَ) صِفَةُ الْبِنَاءِ مَعْلُومٌ بِطَرِيقِ الظَّاهِرِ وَالْإِنْسَانُ إنَّمَا يَبْنِي دَارِهِ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَكَلَّفُ التَّفَاوُتُ فَهُوَ يَسِيرٌ لَا تُجْزِئُ الْمُنَازَعَةُ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ (قَالَ) وَاجْعَلْ الزَّنَابِيلَ وَالدِّلَاءَ وَآنِيَةَ الْمَاءِ عَلَى رَبِّ الدَّارِ لِلْعُرْفِ، وَلِأَنَّ الْبَنَّاءَ الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ الْعَمَلَ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ فِي شَيْءٍ فَيَكُونُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ كَالْآجُرِّ وَالْجِصِّ وَلَا طَعَامَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ الْتَزَمَ الْأَجْرَ وَالطَّعَامَ وَرَاءَ الْأَجْرِ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي تَقَبُّلِ الْعَمَلِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعْتَادٌ فِي اسْتِئْجَارِ الْعَامِلِ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَإِنْ اشْتَرَطَ رَبُّ الدَّارِ الزِّنْبِيلَ وَآنِيَةَ الْمَاءِ عَلَى الْمُسْتَقْبِلِ فَهُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ، وَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ كَاسْتِئْجَارِ الْخَيَّاطِ لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ نَفْسِهِ وَأَمَّا الْمَاءُ فَهُوَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ بِمَنْزِلَةِ الْآجُرِّ وَالْجِصِّ، وَلَكِنْ عَلَى الْمُسْتَقْبِلِ أَنْ يُسْقِيَهُ إنْ كَانَتْ فِي الدَّارِ بِئْرٌ، أَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ قَرِيبَةً مِنْ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ الْعُرْفِ، وَلَكِنْ الْمَرْءُ عَلَى الْمُسْتَقْبِلِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَالزِّنْبِيلِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَلَكِنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِيهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ النَّاسِ بِالْكُوفَةِ عَلَى ذَلِكَ.

وَإِنْ تَكَارَى رَجُلًا يَعْمَلُ لَهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَهُوَ جَائِزٌ فَيَعْمَلُ لَهُ مِنْ حِينِ يُصَلِّي الْغَدَاةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِأَنَّهُ تَكَارَاهُ يَوْمًا وَأَوَّلُ الْيَوْمِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ مَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ صَارَ مُسْتَثْنًى، وَلِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْعَمَلِ وَآخِرُ الْيَوْمِ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِدَلِيلِ امْتِدَادِ الصَّوْمِ إلَيْهِ (قَالَ) وَالْعُمَّالُ بِالْكُوفَةِ يَعْمَلُونَ إلَى الْعَصْرِ، وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطُوهُ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يُعَارِضُ النَّصَّ، وَقَدْ نَصَّ عِنْدَ الْعَقْدِ عَلَى يَوْمٍ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَّا عَنْ شَرْطٍ، وَلَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الدَّارِ عَلَى وَضْعِ الْجُذُوعِ وَالْهَوَادِي وَكَنْسِ السُّطُوحِ وَتَطْيِينِهَا وَسَمَّى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الصَّنْعَةِ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَبْنِيَ لَهُ بِاللَّبِنِ فَعَلَى الْبَنَّاءِ بَلُّ الطِّينِ وَنَقْلُهُ إلَى الْحَائِطِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَكَانًا بَعِيدًا فَيَكُونَ بِالْخِيَارِ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ زِيَادَةُ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ أَرَاهُ الْمَكَانَ فَلَا خِيَارَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>