للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ قَلَّ مَا يَحْضُرُونَ مُعَامَلَاتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ خُصُوصًا الْأَنْكِحَةُ وَالْوَصَايَا فَلَوْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ فِي ذَلِكَ أَدَّى إلَى إبْطَالِ حُقُوقِهِمْ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُرَاعَاتِ حُقُوقِهِمْ وَدَفْعِ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ فَلِهَذِهِ الضَّرُورَةِ قَبِلْنَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَلَا تَتَحَقَّقُ هَذِهِ الضَّرُورَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَى شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ، أَوْ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ مُسْلِمٍ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَظْهَرُ فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحَاتِ وَتَمْزِيقِ الثِّيَابِ الَّتِي بَيْنَهُمْ فِي الْمَلَاعِبِ فَقَلَّ أَنْ يَتَفَرَّقُوا

(قَالَ)؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ لَا يَحْضُرُونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، وَبَعْدَ التَّفَرُّقِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يُلَقَّنُونَ الْكَذِبَ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ لَا نُمَكِّنَهُمْ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لِلَعِبِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ جِرَاحَاتُ النِّسَاءِ فِي الْحَمَّامَاتِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِمَنْعِهِنَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ لِمَا فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَكَذَلِكَ الْفَسَقَةُ مِنْ أَصْحَابِ السُّجُونِ؛ لِأَنَّهُمْ حُبِسُوا بِأَسْبَابِ مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْمَنْعِ.

فَأَمَّا هُنَا فَقَدْ أُمِرْنَا بِمُرَاعَاةِ حُقُوقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ نَجْعَلَ دِمَاءَهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِنَا مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ السُّجُونِ لَا يَخْلُونَ عَنْ أُمَنَاءِ السُّلْطَانِ عَادَةً وَبِنَاءُ الْأَحْكَامِ مُعَلًّى عُرْفُ الشَّرِيعَةِ دُونَ عَادَةِ الظَّلَمَةِ وَلَا حُجَّةَ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ عِنْدَنَا الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: ١٩]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: ٦] فَعَابِدُ الْحَجَرِ وَعَابِدُ الْوَثَنِ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ نِحَلُهُمْ كَالْمُسْلِمِينَ هُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُهُمْ، ثُمَّ الْيَهُودُ يُعَادُونَ النَّصَارَى بِسَبَبٍ هُمْ فِيهِ مُحِقُّونَ وَهُوَ دَعْوَاهُمْ الْوَلَدَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالنَّصَارَى يُعَادُونَ الْيَهُودَ بِسَبَبٍ هُمْ فِيهِ مُحِقُّونَ وَهُوَ إنْكَارُهُمْ نُبُوَّةَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْفَرِيقَانِ يُعَادُونَ الْمَجُوسَ بِسَبَبٍ هُمْ فِيهِ مُحِقُّونَ وَهُوَ إنْكَارُهُمْ التَّوْحِيدَ ظَاهِرًا وَدَعْوَاهُمْ الِاثْنَيْنِ فَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ كَشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ وَلَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُعَادِي الْبَعْضَ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ فَلَمْ يَصِرْ بَعْضُهُمْ مَقْهُورَ بَعْضٍ لِيَحْمِلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّقَوُّلِ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ فَقَدْ صَارُوا مَقْهُورِينَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى التَّقَوُّلِ عَلَيْهِمْ؛ فَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فَأَمَّا شَهَادَةُ الْعَبِيدِ فَقَدْ بَيَّنَّا الْإِجْمَاعَ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَأَمَّا شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِمْ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ

وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَوْلَى لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لِمِلْكِهِ كَشَهَادَتِهِ لِنَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ لَهُ فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ أَبِي الْمَوْلَى وَابْنِهِ وَامْرَأَتِهِ لِهَؤُلَاءِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>