للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِقْرَارَ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ إيجَابِ الْمِلْكِ لِلْمُقِرِّ لَهُ ابْتِدَاءً؛ وَلِهَذَا لَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الزَّوَائِدُ الْمُنْفَصِلَةُ فَيَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِمِلْكٍ حَادِثٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ.

وَالثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ تَقُومُ عَلَى إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ بَطَلَ بِهَا تَصَرُّفُ الْبَائِعِ وَالْوَاهِبِ

وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ عَلَى إبْطَالِ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ تَصَرُّفِ الْمَالِكِ، وَلَكِنَّ الْمُقِرَّ يَصِيرُ مُبَلِّغًا بِإِقْرَارِهِ وَإِتْلَافُهُ لَا يَتَضَمَّنُ انْتِقَاضَ قَبْضِهِ وَبُطْلَانَ تَصَرُّفِ الْبَائِعِ. فَأَمَّا هُنَا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تَصِيرُ يَدُ الْكَافِرِ مُسْتَحَقَّةً مِنْ الْأَصْلِ وَبِهَذَا الِاسْتِحْقَاقِ يَفُوتُ قَبْضُهُ ضَرُورَةً وَفَوَاتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ يُبْطِلُ التَّصَرُّفَ.

وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ وَتَرَكَ اثْنَيْنِ وَأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَاقْتَسَمَاهَا، ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَشَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِدَيْنٍ أُخِّرَتْ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْكَافِرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ حُجَّةٌ عَلَى الْكَافِرِ دُونَ الْمُسْلِمِ وَبِثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ يَسْتَحِقُّ تَرِكَتُهُ وَتَرِكَتُهُ مَالٌ الِاثْنَيْنِ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ فِي اسْتِحْقَاقِ نَصِيبِ الْكَافِرِ مِنْ التَّرِكَةِ دُونَ نَصِيبِ الْمُسْلِمِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْأَبِ وَجَحَدَ الْآخَرُ.

وَلَوْ مَاتَ كَافِرٌ فَادَّعَى مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ دَيْنًا عَلَيْهِ وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ أَخَذْت بِبَيِّنَةِ الْمُسْلِمِ وَأَعْطَيْته حَقَّهُ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ كَانَ لِلْكَافِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ دَيْنِهِمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ دَيْنَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُجَّةً عَلَى الْمَيِّتِ فَكَأَنَّ الدَّيْنَيْنِ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْوَارِثَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْحَالِ. فَأَمَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرْعَيْنِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ دَيْنَ الْمُسْلِمِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، وَفِي حَقِّ غَرِيمِ الْكَافِرِ وَدَيْنَ الْكَافِرِ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّ الْغَرِيمِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّهِ وَالْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُمَا لَا تَكُونُ إلَّا عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ثَابِتًا فِي حَقِّ الْآخَرِ وَدَيْنُ الْآخَرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي حَقِّهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ الْمُقِرِّ بِهِ فِي الصِّحَّةِ مَعَ الدَّيْنِ الْمُقِرِّ بِهِ فِي الْمَرَضِ تَقَدَّمَ دَيْنُ الصِّحَّةِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُقِرِّ لَهُ فِي الْمَرَضِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَلَوْ مَاتَ الْكَافِرُ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَأَقَامَ شُهُودًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقُومُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إلْزَامِ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَالْوَصِيُّ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ فَبِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ يَدُهُ وَشَهَادَةُ الْكُفَّارِ فِي ذَلِكَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مُسْلِمًا وَوَجْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>