للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ لَا تُشْتَرَطُ فَوَفَّرْنَا خَطَّهُ عَلَى الشَّبَهَيْنِ وَقُلْنَا لِشَبَهِهِ بِالْإِخْبَارِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْعَدَدِ فِيهِ شَرْطًا وَيَبْقَى مُعْتَبَرًا احْتِيَاطًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْإِخْبَارِ الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمَثْنَى وَالثُّلَاثُ أَحْوَطُ لِزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ وَلِاعْتِبَارِهِ بِالشَّهَادَاتِ فِيهِ شَرَطْنَا الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي.

فَلِهَذَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ فَأَجَأْتهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ. فَإِذَا كَانَ ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ هُنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْلَى، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ، وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت النَّظَرَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الزِّنَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ وَلَا فِرَاشٌ قَائِمٌ وَلَا إقْرَارُ الزَّوْجِ بِالْحَبَلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.

فَأَمَّا الِاسْتِهْلَاكُ فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ عَلَيْهِ إلَّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ. فَأَمَّا فِي الْمِيرَاثِ فَلَا أَقْبَلُ فِي ذَلِكَ أَقَلَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تُقْبَلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ عَدْلٍ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ فِي الِاسْتِهْلَالِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ اسْتِهْلَالَ الصَّبِيِّ يَكُونُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ وَتِلْكَ حَالَةٌ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا الرِّجَالُ، وَفِي صَوْتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ الضَّعْفِ مَا لَا يَسْمَعُهُ إلَّا مَنْ شَهِدَ تِلْكَ الْحَالَةَ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ كَشَهَادَةِ الرِّجَالِ فِيمَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ. فَكَذَلِكَ يَرِثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الِاسْتِهْلَالُ صَوْتٌ مَسْمُوعٌ، وَفِي السَّمَاعِ مِنْ رِجَالٍ يُشَارِكُونَ النِّسَاءَ.

فَإِذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لَا تَكُونُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَالَةٍ لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى جِرَاحَاتِ النِّسَاءِ فِي الْحَمَّامَاتِ بِخِلَافِ الْوِلَادَةِ فَهُوَ انْفِصَالُ الْوَلَدِ مِنْ الْأُمِّ وَالرِّجَالِ لَا يُشَارِكُونَ النِّسَاءَ فِي الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَحْمُولٌ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا قَبِلْنَا ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَخَبَرُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي ذَلِكَ كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْمَشْهُودُ بِهِ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>