للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَتَيَا الْقَاضِي فَقَالَا لَمْ نُشْهِدْهُمَا عَلَى شَهَادَتِنَا فَقَضَاءُ الْقَاضِي مَاضٍ عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الْإِشْهَادَ خَبَرٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الْكَذِبِ وَالصِّدْقِ فَلَا يُبْطِلُ قَضَاءَ الْقَاضِي كَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنْفُسِهِمَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا وَلَكِنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا يُنْكِرَانِ سَبَبَ الْإِتْلَافِ وَهُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا وَلَوْ قَالَا كُنَّا أَشْهَدْنَاهُمَا عَلَى شَهَادَتِنَا وَلَكِنَّا رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُمَا ضَامِنَانِ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ قَامَا مَقَامَهُمَا فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمَا إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَأَمَّا الْقَضَاءُ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمَا فَكَأَنَّهُمَا حَضَرَا بِأَنْفُسِهِمَا وَشَهِدَا ثُمَّ رَجَعَا فَيَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَهُمَا قَالَا الْمَوْجُودُ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَإِنْ رَجَعَا عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَالرُّجُوعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الرُّجُوعَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَا نَقُولُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْ الْأُصُولِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَوْ مَنَعُوهُمْ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي وَلَوْ كَانُوا نَائِبِينَ عَنْ الْأُصُولِ لَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ إذَا مَنَعَهُمْ الْأُصُولُ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَكِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا تَحَمَّلُوا وَهُوَ إشْهَادُ الْأُصُولِ إيَّاهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْحَقِّ بِعَيْنِهِ مَا كَانُوا نَائِبِينَ فِيهِ عَنْ أَحَدٍ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ.

وَلَوْ رَجَعَ الْفُرُوعُ وَالْأُصُولُ جَمِيعًا فَالضَّمَانُ عَلَى الْفُرُوعِ خَاصَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ سَبَبَ الْإِتْلَافِ الشَّهَادَةُ الْقَائِمَةُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ دُونَ الْأُصُولِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لَوْ رَجَعَ وَحْدَهُ كَانَ ضَامِنًا لِلْمَالِ الْمَقْضِيِّ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِذَا رَجَعَ الْفَرِيقَانِ يُجْعَلُ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالرُّجُوعِ وَيَتَخَيَّرُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجَانَسُ بَيْنَ شَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ فَقَدْ كَانَتْ شَهَادَةُ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةُ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَلَا مُجَانَسَةَ بَيْنَهُمَا لِيُجْعَلَ الْكُلُّ فِي حُكْمِ شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ يُضَمِّنُ أَيَّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>