للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يَكُونُ مُقْتَضِيًا غَصْبَ الْمَحَلِّ وَلَوْ قَالَ كَذَا فِي كَذَا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِمَّا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ كَالْمَاءِ نَحْوَ ثَوْبٍ فِي مِنْدِيلٍ أَوْ طَعَامٍ فِي سَفِينَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ " فِي " حَقِيقَةً لِلظَّرْفِ فَهُوَ مُخْبِرٌ بِأَنَّ الثَّانِيَ كَانَ ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ مَعَ غَصْبِهِ وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ غَصْبُهُ لَهُمَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ أَوْ حِنْطَةٍ فِي جَوَالِقَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي هُوَ مِمَّا لَا يَكُونُ وِعَاءً لِلْأَوَّلِ نَحْوَ قَوْلِهِ غَصَبْتُكَ دِرْهَمَيْنِ فِي دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِمَا أَقَرَّ بِغَصْبِهِ أَوَّلًا فَلُغِيَ آخِرُ كَلَامِهِ فَإِنْ (قِيلَ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ حَرْفَ " فِي " بِمَعْنَى حَرْفِ " مَعَ "؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَعْمُولٌ بِمَجَازِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: ٢٩] (قُلْنَا) إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْمَجَازِ فَكَمَا يَحْتَمِلُ مَعْنَى " مَعَ " يَحْتَمِلُ مَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلِأُصَلِّبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْ الثَّانِي وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى " مَعَ " لَزِمَهُ وَالذِّمَّةُ فِي الْأَصْلِ بَرِيئَةٌ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهَا بِالشَّكِّ.

وَإِنْ كَانَ الثَّانِي مِمَّا يَكُونُ الْأَوَّلُ وَسَطَهُ نَحْوَ أَنْ يَقُولَ غَصَبْتُكَ ثَوْبًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيَلْزَمُهُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْعَشَرَةَ قَدْ تَكُونُ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ الثَّوْبَ النَّفِيسَ قَدْ يُلَفُّ عَادَةً فِي الثِّيَابِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ حِنْطَةٌ فِي جُوَالِقٍ أَوْ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَشَرَةَ أَثْوَابٍ فِي ثَوْبٍ وَالثَّوْبُ الْوَاحِدُ يَكُونُ وِعَاءً لِلْعَشَرَةِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَعُلِّلَ لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْجَوَابِ وَقَالَ: إنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ وِعَاءً مَعْنَاهُ أَنَّ الْوِعَاءَ غَيْرُ الْمُوعَى وَالثَّوْبُ إذَا لُفَّ فِي ثِيَابٍ فَكُلُّ ثَوْبٍ يَكُونُ مُوعًى فِي حَقِّ مَا وَرَاءَهُ فَلَا يَكُونُ وِعَاءً إلَّا الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ ثَوْبٌ ظَاهِرٌ فَإِذَا كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ كَوْنُ الْعَشَرَةِ وِعَاءً لِلثَّوْبِ الْوَاحِدِ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَغْوًا وَحَمْلُهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَا مَعْنَى لَهُ فَإِنَّهُ اشْتِغَالٌ بِإِيجَابِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ بِالْمُحْتَمَلِ وَبِتَأْوِيلٍ هُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُهُ كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَلْزَمُهُ الْكِرْبَاسُ وَعَشَرَةُ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ؛ لِأَنَّ الْحَرِيرَ لَا يُجْعَلُ وِعَاءً لِلْكَرَابِيسِ عَادَةً.

وَلَوْ قَالَ غَصَبْتُكَ طَعَامًا فِي بَيْتٍ كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ طَعَامًا فِي سَفِينَةٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ قَدْ يَكُونُ وِعَاءً لِلطَّعَامِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْبَيْتِ وَالطَّعَامِ إلَّا أَنَّ الطَّعَامَ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْغَصْبِ وَالْبَيْتَ لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ وَالْغَصْبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ وَإِنْ قَالَ لَمْ أُحَوِّلْ الطَّعَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>