للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ وَصِيَّةٌ أَوْصَى بِهَا بِمَا لَهُ فَاسْتَهْلَكَتْهُ فَهَذَا صَحِيحٌ)؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا مُسْتَقِيمًا لَوْ عَايَنَهُ حَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ هَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْمُوَرِّثِ وَالْمُوصِي فَإِنَّ الْمَالَ مَنْفِيٌّ عَلَى حَقِّهِ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ إلَى وَارِثِهِ أَوْ إلَى مَنْ أَوْصَى لَهُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُوَرِّثُ وَالْمُوصِي مِنْ أَهْلِ الْإِقْرَارِ لَهُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِدَابَّةِ فُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْصَى لَهُ بِالْعَلَفِ فَاسْتَهْلَكَتْهُ ثُمَّ إنْ وَلَدَتْ وَلَدًا حَيًّا فَالْمُقَرُّ بِهِ لَهُ وَإِنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا فَالْمَالُ مَرْدُودٌ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَالْمُوصِي، وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَفِي الْمِيرَاثِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ فِي بَيَانِ السَّبَبِ مَقْبُولٌ، وَهَذَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثُ حَتَّى عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً فَحِينَئِذٍ إذَا جَاءَتْ بِالْوَلَدِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ حَتَّى حُكِمَ بِثُبُوتِ السَّبَبِ فِي ذَلِكَ حُكْمًا بِوُجُودِهِ فِي الْبَطْنِ حِينَ مَاتَ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثُ.

الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا بِمُسْتَحِيلٍ بِأَنْ يَقُولَ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ بَيْعٍ بَايَعَتْهُ أَوْ قَرْضٍ أَقْرَضَتْهُ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ وَالْإِقْرَاضَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْجَنِينِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا أَمَّا الْحَقِيقَةُ فَلَا يُشْكِلُ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَى الْجَنِينِ حَتَّى يَكُونَ تَصَرُّفُهُ بِمَنْزِلَةِ تَصَرُّفِ الْجَنِينِ فَيَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاذَا كَانَ مَا سَبَّبَهُ مِنْ السَّبَبِ مُحَالًا صَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فَإِنْ (قِيلَ) هَذَا يَكُونُ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهِ بِإِذْنٍ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا (قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ بَلْ هُوَ بَيَانُ السَّبَبِ مُحْتَمَلٌ فَقْدُ نَسَبِهِ عَلَى الْجَاهِلِ فَيَظُنُّ أَنَّ الْجَنِينَ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ كَالْمُنْفَصِلِ فَيُعَامِلُهُ ثُمَّ يُقِرُّ بِذَلِكَ الْمَالِ لِلْجَنِينِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَتَبَيُّنِ سَبَبِهِ ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ السَّبَبَ كَانَ بَاطِلًا فَكَانَ كَلَامُهُ بَيَانًا لَا رُجُوعًا فَلِهَذَا كَانَ مَقْبُولًا مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ أَنْ يُقِرَّ لِلْجَنِينِ بِمَالٍ مُطْلَقٍ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ فَيَقُولُ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ هَذَا الْعَيْنُ مِلْكٌ لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ فَوَلَدَتْ لِمُدَّةٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ.

وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الْعَاقِلِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ يَدْعُو بِهِ إلَى التَّكَلُّمِ بِمَا هُوَ صَحِيحٌ لَا بِمَا هُوَ لَغْوٌ فَيُجْعَلُ مُطْلَقُ إقْرَارِهِ صَحِيحًا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَيَّنَ سَبَبًا صَحِيحًا لِإِقْرَارِهِمَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مَهْمَا أَمْكَنَ إعْمَالُهُ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهُ وَالْجَنِينُ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ حَتَّى يَصِحَّ الْإِقْرَارُ وَسَبَبُهُ وَيَصِحَّ إعْتَاقُهُ وَالْإِقْرَارُ يَعْتِقُهُ وَيَرِثُ وَيُوصِي لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>