للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ عَلَيْهِ مِائَةُ مِثْقَالٍ عَنْ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وَزْنٍ هُوَ أَكْثَرُ مِمَّا اقْتَضَاهُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ وَلَوْ نَصَّ عَلَى وَزْنٍ هُوَ دُونَهُ قُبِلَ مِنْهُ إذَا كَانَ مَوْصُولًا فَكَذَلِكَ إذَا نَصَّ عَلَى وَزْنٍ هُوَ أَكْثَرُ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا لَا يَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فَيَصِحُّ سَوَاءٌ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا.

وَلَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ رُبْعُ حِنْطَةٍ فَعَلَيْهِ رُبْعُ حِنْطَةٍ بِرُبْعِ الْبَلَدِ الْأَكْبَرِ، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ الرُّبْعَ الصَّغِيرَ لَمْ يُصَدَّقْ. وَالرُّبْعُ اسْمٌ لِمِكْيَالٍ كَالْقَفِيزِ وَالصَّاعِ، وَالْمُتَعَارَفُ فِي الْمُعَامَلَاتِ بِهِ الْأَكْبَرُ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ الْإِقْرَارِ إلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ مَا بَيَّنَّا فِي الْوَزْنِ.

ثَوْبٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ، فَقَالَ: وَهَبَهُ لِي فُلَانٌ، فَقَالَ: نَعَمْ أَوْ أَجَلْ أَوْ بَلَى أَوْ صَدَقْتَ أَوْ قَالَ ذَلِكَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَهُوَ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعِ الْجَوَابِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَفْهُومِ الْمَعْنَى، وَهُوَ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِطَابِ يَصِيرُ كَالْمُعَادِ لِلْجَوَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] أَيْ نَعَمْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: ١٧٢] أَيْ بَلَى أَنْتَ رَبُّنَا فَهُنَا أَيْضًا يَصِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَقْدِ الْهِبَةِ مُعَادًا فِي الْجَوَابِ فَيَثْبُتُ الْعَقْدُ بِإِقْرَارِهِ وَالْقَبْضُ مَوْجُودٌ فَيُجْعَلُ صَادِرًا عَنْ ذَلِكَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَلَكِنَّهُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ فَادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ الْهِبَةَ وَالتَّسْلِيمَ وَجَحَدَ ذَلِكَ الْوَاهِبُ، فَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ بِمُعَايَنَةِ الْقَبْضِ قُبِلَ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَانَ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْوَاهِبِ بِالتَّسْلِيمِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ أَوَّلًا: لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الْهِبَةِ يُقْبَضُ بِحُكْمٍ، وَالْقَبْضُ فِعْلٌ لَا يَصِيرُ مَوْجُودًا بِالْإِقْرَارِ بِهِ كَذِبًا فَإِنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إذَا كَانَ بَاطِلًا فَبِالْإِخْبَارِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ حَقًّا كَقَرِيَّةِ الْمُقِرِّينَ وَجُحُودِ الْمُبْطِلِينَ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدُوا بِهِبَةٍ تَامَّةٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: الشَّهَادَةُ مَقْبُولَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ إقْرَارِهِ بِالْبَيِّنَةِ كَثُبُوتِهِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْقَبْضُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا هُوَ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ كَالْقَتْلِ وَالْغَصْبِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ بِإِقْرَارِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

فَإِنْ أَقَرَّ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ وَالْقَبْضِ، ثُمَّ أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَيُحَلِّفْهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِحْسَانًا، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ الْبَائِعُ إذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، ثُمَّ جَحَدُوا أَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ فِي كَلَامِهِ رَاجِعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ مِنْ الْقَبْضِ، وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَنْبَنِي عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا عُرِفَ مِنْ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْبَائِعَ يُقِرُّ بِالثَّمَنِ لِلْإِشْهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهُ حَقِيقَةً فَلِلِاحْتِيَاطِ لِحَقِّهِ يَسْتَحْلِفُ الْخَصْمَ إذَا طَلَبَ هُوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>