للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْقُطُ عَنْهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْأَصْلِ مُلْزِمٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْأَصْلِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَانِعُ مِنْهُ، وَالْمَانِعُ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ مَعْهُودٍ تُنَافِي صِحَّتَهُ فَالْإِضَافَةُ إلَى حَالٍ غَيْرِ مَعْهُودَةٍ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا بَلْ تَكُونُ دَعْوَى الْمُسْقِطِ بَعْدَ ظُهُورِ السَّبَبِ الْمُلْزِمِ فَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ.

وَلَوْ قَالَ: أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ ذَاهِبُ الْعَقْلِ مِنْ مَرَضٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ كَانَ أَصَابَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ عَلَى الْآخِذِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا مَجْنُونًا أَوْ عَاقِلًا فَإِنَّ الْحَجْرَ بِسَبَبِ الصِّبَا وَالْجُنُونِ عَنْ الْأَقْوَالِ لَا عَنْ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْعَقْلِ بِوُجُودِهِ فَلَا يَكُونُ الصِّبَا وَالْجُنُونُ مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهِ وَظُهُورِ الْفِعْلِ بِإِقْرَارِهِ، فَإِذَا كَانَ إقْرَارُهُ مُلْزِمًا حِينَ أَقَرَّ بِهِ وَالْفِعْلُ مَلْزُومًا فِيهِ فِي حَالِ الصِّغَرِ تَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ إيَّاهُ.

وَلَوْ أَقَرَّ الْحُرُّ أَنَّهُ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ عَبْدٌ لَزِمَهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنَّ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الذِّمَّةِ لِكَوْنِهِ آدَمِيًّا وَبِالرِّقِّ لَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ لَهُ، وَهُوَ عَبْدٌ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْعَبْدِ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا، وَإِنَّمَا لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ مَوْلَاهُ فَكَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ. وَكَذَلِكَ الْحَرْبِيُّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي دُخْلَةٍ دَخَلَهَا بِأَمَانٍ، أَوْ قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا بِأَمَانٍ فَأَقْرَرْتُ لَهُ وَأَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمُسْلِمُ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِهِ لِفُلَانٍ حِينَ كَانَ حَرْبِيًّا فَذَلِكَ كُلُّهُ مُلْزِمٌ إيَّاهُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالٍ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَوُجُوبُ الْمَالِ بِهَا فَإِنَّا لَوْ عَايَنَّا إقْرَارَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُؤَاخَذًا بِهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ.

وَلَوْ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِفُلَانٍ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ، وَقَالَ فُلَانٌ أَقْرَرْتَ لِي بِهَا بَعْدَمَا أُعْتِقَتْ لَزِمَهُ الْمَالُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى حَالِ رَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَذَلِكَ لَا يَنْفِي كَوْنَ الْإِقْرَارِ مُلْزِمًا فَكَانَ مُلْتَزِمًا الْمَالَ بِإِقْرَارِهِ قَاصِدًا إلَى تَحْوِيلِهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى مَوْلَاهُ بِإِسْنَادِهِ الْإِقْرَارِ إلَى حَالِ رَقِّهِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ إلَى غَيْرِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ مُسْلِمٌ قَدْ كَانَ حَرْبِيًّا أَنَّهُ أَخَذَ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي حَالِ مَا كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ حَالَ مَا كَانَ حَرْبِيًّا، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: بَلْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بَعْدَ إسْلَامِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَى حَالِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ فِي الْأَصْلِ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ وَادَّعَى تَمَلُّكَهَا عَلَيْهِ بِإِضَافَةِ الْأَخْذِ حَالَ كَوْنِهِ حَرْبِيًّا فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَهْلِكَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>