للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، وَعَلَى هَذَا وَلَدُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَالثِّمَارِ الْمَجْدُودَةِ مِنْ الْأَشْجَارِ.

وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ صُنْدُوقٌ فِيهِ مَتَاعٌ، فَقَالَ: الصُّنْدُوقُ لِفُلَانٍ وَالْمَتَاعُ الَّذِي فِيهِ لِي أَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ وَمَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا ذَكَرَهُ لِنَفْسِهِ نَصًّا، وَهَذَا لِأَنَّ مَا فِي الصُّنْدُوقِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلصُّنْدُوقِ فَالصُّنْدُوقُ وِعَاءٌ لِمَا فِيهِ وَالْمُوعَى لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْوِعَاءِ. وَكَذَلِكَ الْمَتَاعُ يَكُونُ فِي الدَّارِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلدَّارِ.

وَلَوْ قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ الدَّارُ لِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَهُ فَفِي قَوْلِهِ " وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ " إقْرَارٌ بِالْأَصْلِ وَالْإِقْرَارُ بِالْأَصْلِ يُوجِبُ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَوْ قَالَ أَرْضُ هَذِهِ الدَّارِ لِفُلَانٍ لَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ جَمِيعًا.

وَلَوْ قَالَ الْبِنَاءُ لِفُلَانٍ وَالْأَرْضُ لِلْآخَرِ كَانَ الْبِنَاءُ لِلْأَوَّلِ وَالْأَرْضُ لِلثَّانِي كَمَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلَامِهِ هُنَا إقْرَارٌ مُعْتَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْأَوَّلِ فَهَبْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إقْرَارٌ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، وَلَكِنَّ إقْرَارَهُ فِيمَا صَارَ مُسْتَحَقًّا لِغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ لِلثَّانِي الْأَرْضَ خَاصَّةً، فَأَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَآخِرُ كَلَامِهِ بِالْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَهُمَا جَمِيعًا مِلْكُهُ (تَوْضِيحُ الْفَرْقِ) أَنَّ الْبِنَاءَ لَمَّا صَارَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ لِلثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْبِنَاءِ، وَفِي الْأَوَّلِ الْبِنَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ فَكَانَ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِقْرَارُهُ بِالْأَرْضِ يُثْبِتُ الْحَقَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ فِي الْبِنَاءِ وَالْأَرْضِ مَعًا.

وَلَوْ قَالَ: غَصَبْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ فُلَانٍ لَا بَلْ مِنْ فُلَانٍ فَالْعَبْدُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ وَلِلثَّانِي قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْإِقْرَارَ لِلثَّانِي بِالْغَصْبِ فِيهِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ لِلْأَوَّلِ، وَذَلِكَ مِنْهُ صَحِيحٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِذَا صَارَ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ مِنْ الثَّانِي وَتَعَذَّرَ رَدُّهُ عَلَيْهِ ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهُ سَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، قَالَ وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ إنْ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا، وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي. (وَبَيَانُهُ) إذَا قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ بِعَيْنِهَا وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ مَفْصُولًا أَوْ مَوْصُولًا لَا بَلْ هِيَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ أَوْدَعَهَا فُلَانٌ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ ضَمِنَ لِلثَّانِي مِثْلَهَا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ صَارَ مُتْلِفًا لَهَا عَلَى الثَّانِي بِالْإِقْرَارِ وَالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ فَهُوَ وَالْغَصْبُ سَوَاءٌ، وَإِنْ دَفَعَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَمْ يُتْلِفْ عَلَى الثَّانِي شَيْئًا وَالدَّفْعُ حَصَلَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْأَلْفُ لِفُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>