للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ عَمَلَهُ وَتَجْعَلُهُ كَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ أَسْلَمَ الْآنَ فِي حُكْمِ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ.

وَلَوْ قَرَأَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةٍ لَا يَجْهَرُ فِيهَا وَلَمْ يَسْمَعْهَا الْقَوْمُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْجُدُوا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْإِمَامِ بِالتِّلَاوَةِ وَهِيَ صَلَاتِيَّةٌ وَالْمُقْتَدِي تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فِي أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَرَأَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا تَجِبُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ تُؤَدَّى فِي غَيْرِ تَحْرِيمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَالْإِمَامِ فِيهَا مُتَابَعَةٌ، وَإِنَّمَا السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلسَّجْدَةِ هُنَاكَ التِّلَاوَةُ وَالسَّمَاعُ فَلَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مِنْ تَقَرَّرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ.

وَلَوْ قَرَأَهَا رَجُلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ وَسَمِعَهَا قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ الْفَارِسِيَّةَ وَهُمْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَسْجُدُوهَا وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ إنَّمَا تَجِبُ السَّجْدَةُ هَهُنَا عَلَى مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ آيَةَ السَّجْدَةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ حَتَّى قَالَ يَتَأَدَّى بِهَا فَرْضُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَجَبَتْ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ وَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْفَارِسِيَّةُ لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى فَرْضُ الْقِرَاءَةِ بِهَا فِي حَقِّ مَنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ وَيَتَأَدَّى فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ فَكَذَلِكَ يَجِبُ بِهَذَا السَّمَاعِ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ يَعْرِفْ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ ذَلِكَ.

وَلَوْ أَنَّ سَكْرَانًا قَرَأَ سَجْدَةً أَوْ سَمِعَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا؛ لِأَنَّ السَّكْرَانَ مُخَاطَبٌ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ بِإِدْرَاكِ الْوَقْتِ فَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ السَّجْدَةُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا فِي حَالِ جُنُونِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ قَالُوا وَهَذَا إذَا طَالَ جُنُونُهُ، فَأَمَّا إذَا قَصَرَ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ السَّجْدَةُ اسْتِحْسَانًا كَمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عَلَى رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ كَمَا بَيَّنَّا.

وَلَوْ قَرَأَهَا عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضُّحَى فَقَضَاهَا نِصْفَ النَّهَارِ لَمْ تُجْزِهِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ، وَالْمُؤَدَّاةُ عِنْدَ الزَّوَالِ نَاقِصَةٌ، وَإِنْ قَرَأَهَا نِصْفَ النَّهَارِ فَسَجَدَهَا أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا حَتَّى تَغَيَّرَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ الْغُرُوبِ ثُمَّ أَدَّاهَا فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا تُجْزِيهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ فِيمَا بَيَّنَّا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا وَقَضَاهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ أَجْزَأَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>