للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرِكَةِ وَهَذَا الْمَالُ إنَّمَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ قَبْلَ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمَالِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ لَا بِحُلُولِ الْأَجَلِ. وَالْأَجَلُ الَّذِي كَانَ مَانِعًا مِنْ الْمُطَالَبَةِ يَرْتَفِعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَبْقَى الْمَالُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْكَفَالَةِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ الشَّرِكَةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ فَاوَضَ رَجُلًا.

وَلَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ مُؤَجَّلًا وَهُوَ مُعَاوَضَةٌ ثُمَّ فَارَقَهُ أَوْ صَارَ شَرِيكَهُ فَإِنَّهُ يُلْزِمُ شَرِيكَهُ جَمِيعَ الْكَفَالَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَالَ إنَّمَا لَزِمَهُ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي حَالِ قِيَامِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ زَوَالُ الْمَانِعِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ وَكَمَا وَجَبَ الْمَالُ بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ عَلَى الَّذِي بَاشَرَهُ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ عَنْهُ؛ فَيَفْسَخُ الشَّرِكَةَ وَانْفِسَاخُهَا بِالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ مَا كَانَ لَزِمَهُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ تَفَاسَخَا الشَّرِكَةِ فَإِنْ أَدَّاهَا الشَّرِيكُ قَبْلَ الْفُرْقَةِ أَوْ بَعْدَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الَّذِي أَمَرَ شَرِيكَهُ بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا قَامَ مَقَامَ الشَّرِيكِ فِي وُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ وَالْأَدَاءِ إلَى الطَّالِبِ فَكَذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْأَصِيلِ؛ وَهَذَا لِأَنَّ بِالْكَفَالَةِ كَمَا وَجَبَ الْمَالُ لِلطَّالِبِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ وَجَبَ أَيْضًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْأَصِيلِ الَّذِي أَمَرَ أَحَدَهُمَا بِالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَحَدَهُمَا كَأَمْرِهِ إيَّاهُمَا فَإِنَّهُمَا بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ صَارَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّاهُ بَعْدَ مَوْتِ الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْمَالِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَإِنْ مَاتَ الْمُفَاوِضُ الَّذِي لَمْ يَكْفُلْ قَبْلَ حِلِّ الْأَجَلِ؛ فَالْمَالُ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يَحِلُّ عَلَى الْحَيِّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ كَانَ ثَابِتًا فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنَّ الْمَيِّتَ اسْتَغْنَى عَنْ الْأَصِيلِ بِمَوْتِهِ وَالْحَيُّ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ. وَالْمَيِّتُ لَا يَنْتَفِعُ بِبَقَاءِ الْأَجَلِ بَلْ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَ الْوَارِثِ لَا تَنْبَسِطُ فِي التَّرِكَةِ وَالْحَيُّ يَنْتَفِعُ بِالْأَجَلِ فَيَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْحَيِّ مِنْهُمَا دُونَ الْمَيِّتِ.

وَحُلُولُ الْمَالِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُوجِبُ حُلُولَهُ عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِهِ. فَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ وَالْمُضَارَبَةِ إذَا كَفَلَ أَحَدُهُمَا بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ لَمْ يَلْزَمْ شَرِيكَهُ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُمَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ فِي التِّجَارَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ فَالدَّيْنُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِمُبَاشَرَةِ سَبَبِهِ يَكُونُ الْآخَرُ كَالْأَجْنَبِيِّ فِيهِ فَلَا يُطَالَبُ بِشَيْءٍ مِنْهُ.

وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حِنْطَةُ سَلَمٍ وَبِهِ كَفِيلٌ فَأَدَّاهُ الْكَفِيلُ ثُمَّ صَالَحَ الْمَكْفُولَ عَنْهُ عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ عَرَضٍ أَوْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ يَدًا بِيَدٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ الْكَفِيلُ عَلَى الْأَصِيلِ لَيْسَ بِسَلَمٍ فَإِنَّ السَّلَمَ اسْمٌ لِمَا يَجِبُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَهَذَا إنَّمَا يَجِبُ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْأَصِيلِ بِعَقْدِ الْكَفَالَةِ وَهُوَ عَقْدٌ آخَرُ سِوَى السَّلَمِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِبَدَلِ الصَّرْفِ أَوْ بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَأَدَّاهُ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ فَارَقَ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَرْجِعُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>