للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيَّنَ الْمَعْنَى فِيهِ فَقَالَ إنَّمَا الْهَوَى شَيْءٌ اُفْتُتِنَ بِهِ رَجُلٌ فَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ بِهِ شَهَادَتُهُ وَإِنَّمَا دَخَلُوا فِي الْهَوَى لِشِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الدِّينِ فَإِنَّهُمْ عَظَّمُوا الذُّنُوبَ حَتَّى جَعَلُوهَا كُفْرًا فَيُؤْمَنُ عَلَيْهِمْ شَهَادَةُ الرِّبَا. (أَلَا تَرَى) أَنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ بَعْدَ الْكُفْرِ الْقَتْلُ. ثُمَّ دِمَاءُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ أَعْظَمُ الدِّمَاءِ وَقَدْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. فَلَوْ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَمَا كَانَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا الْخَطَّابِيَّةُ وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الرَّوَافِضِ فَإِنَّهُمْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا بِمَا يَدَّعِي وَيَشْهَدُ لَهُ بِهِ إذَا حَلَفَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مُحِقٌّ فَهَذَا مُتَّهَمٌ فِي شَهَادَتِهِ فَلَا أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِهَذَا.

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ قِبَلَ رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ قَدْ قَبَضَهُ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ قَبَضَهُ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ثَمَنِ عَبْدٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ ثَمَنِ مَتَاعٍ قَدْ قَبَضَهُ؛ فَإِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ انْتَهَى بِتَسْلِيمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا دَعْوَاهُ دَعْوَى الدَّيْنِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَلْفًا وَشَهِدَ لَهُ الشَّاهِدَانِ بِخَمْسِمِائَةٍ.

وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَأَنْكَرَ الطَّالِبُ قَبْضَهَا فَشَهَادَتُهُمَا بِأَلْفٍ جَائِزَةٌ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا تَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالشَّهَادَةِ بِشَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَوْ قَضَاهُ جَمِيعَ الْمَالِ لَمْ يَبْطُلْ بِهِ أَصْلُ الشَّهَادَةِ فَهَذَا مِثْلُهُ. وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مُكَذِّبٌ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَلَكِنَّا نَقُولُ هُوَ غَيْرُ مُكَذِّبٍ لَهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ فَكُلُّ أَحَدٍ يُصَدِّقُ الشَّاهِدَ فِيمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ وَيُكَذِّبُهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ أَرَأَيْت لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَجَرَهُ سَنَةً أَكُنْت تُبْطِلُ شَهَادَتَهُ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ بِذَلِكَ؟ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ الطَّالِبُ: إنَّمَا لِي عَلَيْك خَمْسُمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ أَلْفًا فَقَبَضْت مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ. وَوَصَلَ الْكَلَامَ أَوْ لَمْ يَصِلْ فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا جَائِزَةٌ بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَذِّبْهُمَا بَلْ وَفَّقَ بَيْنَ دَعْوَاهُ وَشَهَادَتِهِمَا بِتَوْفِيقٍ مُحْتَمَلٍ فَقَدْ يَسْتَوْفِي الْمُدَّعِي بَعْضَ حَقِّهِ وَلَا يُعَرِّفُ الشَّاهِدَ بِذَلِكَ.

وَلَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِي عَلَيْك قَطُّ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ أُبْطِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَهُمَا فِيمَا يَشْهَدَانِ لَهُ مِنْ الزِّيَادَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ جَارِيَةٍ قَدْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ أَشْهَدَهُمْ الْمُشْتَرِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَالدَّيْنُ بَاقٍ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدَّيْنِ مَتَاعٌ؛ أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَبِيعَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا فَالْعَقْدُ فِيهِ مُنْتَهٍ. وَإِنَّمَا دَعْوَاهُ دَعْوَى الدَّيْنِ وَقَدْ صَدَّقَ الشُّهُودَ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ قَالَ: لَمْ يُشْهِدْهُمَا بِهَذَا، وَلَكِنْ أَشْهَدَهُمَا أَنَّهُ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ؛ أَبْطَلْتُ شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُ أَكْذَبَهُمَا فِيمَا شَهِدَا لَهُ بِهِ وَأَقَرَّ عَلَيْهِمَا بِالْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>